قول الناس ففيه التقيّة ، وما سمعت منّي لا يشبه قول الناس فلا تقيّة فيه) (١). فالذي يقتضيه النظر ـ على تقدير القطع بصدور جميع الأخبار التي بأيدينا على ما توهّمه بعض الأخباريين ، والظنّ بصدور جميعها إلّا قليل في غاية القلّة ، كما يقتضيه الإنصاف ممّن اطلع على كيفية تنقيح الأخبار وضبطها في الكتب ـ هو أن يقال : إنّ عمدة الاختلاف إنّما هي كثرة إرادة
____________________________________
مضافا إلى مخالفته لظاهر قوله عليهالسلام ، في الرواية المتقدّمة : (ما سمعت منّي يشبه قول الناس ففيه التقيّة ، وما سمعت منّي لا يشبه قول الناس فلا تقيّة فيه) ، فإنّ ظاهره حصر طريق التقيّة في إظهار الموافقة معهم.
ذكر التنكابني ردّ البهبهاني على صاحب الحدائق من الوجوه الثلاثة :
الأوّل : إنّ الحكم إذا لم يكن موافقا لمذهب أحد من العامّة فيكون رشدا وصوابا ، فكيف يكون هذا تقيّة؟ ؛ لأن المراد بالرشد والصواب ما كان في الواقع رشدا وصوابا لا من جهة التقيّة ودفع الضّرر.
الثاني : إنّ العامّة كانوا يتّهمون الشيعة بالرفض وأذيّتهم للشيعة إنّما كانت بالتّهمة غالبا ، فكيف الحال إذا رأوهم يفعلون فعلا لا يوافق مذهب أحد منهم ، فتكثير المذاهب بين الشيعة سيّما مع عدم موافقته لمذهب أحد منهم مخالف للحكمة موجب لزيادة الإيذاء منهم لهم كما هو واضح.
الثالث : إنّ الحقّ عندنا واحد وما ذا بعد الحقّ إلّا الضلال ، فأيّ داع إلى ارتكاب مخالفة الواقع وارتكاب الحرام الذي هو أعظم ، لاجل التقيّة بالمعنى الذي اعتبره. انتهى ملخّصا.
فالذي يقتضيه النظر أنّه على تقدير عدم ندرة الأخبار المدسوسة في أخبارنا اليوم غاية الندرة ، كان ذلك من جملة علل وجود هذه الأخبار المتعارضة.
وأمّا على تقدير القطع بصدور جميع الأخبار التي بأيدينا على ما توهّمه بعض الأخباريين والظنّ بصدور جميعها إلّا قليل في غاية القلّة.
بأن يقال مثلا واحد في الألف لا يظنّ بصدوره ، أي : يشكّ في صدوره أو يقطع بعدم صدوره ، والباقي مظنون الصدور ، على ما في شرح الاستاذ.
__________________
(١) التهذيب ٨ : ٩٨ / ٣٣٠. الوسائل ٢٧ : ١٢٣ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٩ ، ح ٤٦.