____________________________________
والوجه في ذلك أنّ كلّ دليل متكفّل لبيان حكم لا يكون متكفّلا لتحقّق موضوعه ، بل مفاده ثبوت الحكم على تقدير وجود الموضوع ، وأمّا كون الموضوع محقّقا أو غير محقّق فهو خارج عن مدلول هذا الدليل.
ومن المعلوم أنّ الموضوع المأخوذ في أدلّة الاصول هو الشكّ ، وأمّا كون المكلّف شاكّا أو غير شاكّ ، فهو خارج عن مفادها. والأمارات ترفع الشكّ بالتعبّد الشرعي وتجعل المكلّف عالما تعبّديا ، وإن كان شاكّا وجدانيّا فلا يبقى موضوع للاصول كي تنافي الأمارات ، إذ مفاد البراءة الشرعيّة هو البناء العملي على عدم التكليف على تقدير الشك فيه ، فإذا دلّ خبر معتبر على ثبوت التكليف لم يبق شكّ فيه بالتعبّد الشرعي باعتبار حجيّة الخبر ، فهو عالم بالتكليف بحكم الشارع.
وكذا الكلام في الاصول الجارية في الشبهات الموضوعيّة ، كقاعدة الفراغ مثلا فإنّ موضوعها الشكّ في صحّة العمل وفساده بعد الفراغ عنه ، ومع قيام البيّنة على الفساد يكون المكلّف عالما بالفساد بحكم الشارع ، فلا يمكن الرجوع إلى قاعدة الفراغ ، لارتفاع الموضوع بالتعبّد الشرعي ، ولا منافاة بينهما وبين البيّنة أصلا ، إذ مفاد القاعدة هو البناء العملي على الصحّة على تقدير الشكّ في الصحّة والفساد ، ومفاد البيّنة ثبوت الفساد. انتهى ما في تقرير سيّدنا الاستاذ مع تلخيص منّا. هذا تمام الكلام في الحكومة.
وأمّا الورود : فهو عبارة عن رافعيّة أحد الدليلين لموضوع الآخر رفعا حقيقيّا واقعيّا ولكن بواسطة التعبّد والجعل الشرعي ، كالأمارات الشرعيّة بالنسبة إلى الاصول العقليّة ، حيث يكون موضوع حكم العقل بقبح العقاب هو عدم البيان وهو يرتفع حقيقة بخبر معتبر دالّ على ثبوت التكليف ، لأنّ المراد من البيان الذي اخذ عدمه موضوعا لحكم العقل أعمّ من البيان الذاتي ، أي : العلم ، ومن البيان الجعلي كالأدلّة الشرعيّة.
وكذا موضوع الاحتياط العقلي ـ وهو احتمال العقاب ـ يرتفع بخبر الثقة على نفي التكليف ، إذ خبر الثقة بعد حجيّته شرعا مؤمّن عن العقاب فلا يحتمل العقاب معه ، وكذا موضوع التخيير العقلي وهو عدم المرجّح يرتفع بخبر الثقة لأنّه مرجّح.
وأمّا التخصيص : فهو عبارة عن الخروج حكما مع وحدة الموضوع حقيقة من دون