____________________________________
القسم الأوّل : ما يكون لسان الدليل الحاكم لسان الشرح والتفسير ، بحيث لو لم يكن الدليل المحكوم موجودا لكان الدليل الحاكم لغوا ، كقوله عليهالسلام : لا ربا بين الوالد والولد (١) فإنّه شارح للدليل الدالّ على حرمة الربا ، إذ لو لم يرد دليل على حرمة الربا لكان الحكم بعدم الربا بين الوالد والولد لغوا ، وكذا قوله : لا شكّ لكثير الشكّ بالنسبة إلى ما دلّ على وجوب البناء على الأكثر ثمّ الإتيان بصلاة الاحتياط ، إذ لو لم يرد دليل على وجوب البناء على الأكثر في باب الشكّ لكان قوله : لا شكّ لكثير الشكّ لغوا ، ثمّ الدليل الحاكم في المثالين يكون ناظرا إلى عقد الوضع ، غاية الأمر ينفي الحكم بلسان نفي الموضوع فيكون الدليل ممّا يتصرّف في عقد وضع الدليل المحكوم إخراجا وضيقا ، كما عرفت.
نعم ، قد يكون ناظرا إلى عقد الحمل كما في قوله عليهالسلام : لا ضرر ولا ضرار ... إلى آخره (٢) وقوله تعالى : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)(٣) وغيرهما من أدلّة نفي الأحكام الضروريّة والحرجيّة فإنّها حاكمة على الأدلّة المثبتة للتكاليف بعمومها حتى في موارد الضرر والحرج.
القسم الثاني من الحكومة : أن يكون أحد الدليلين رافعا لموضوع الحكم في الدليل الآخر وإن لم يكن بمدلوله اللفظي شارحا له كما في القسم الأوّل. وهذا كحكومة الأمارات على الاصول الشرعيّة من البراءة والاستصحاب وقاعدة الفراغ وغيرها من الاصول الجارية في الشبهات الحكميّة أو الموضوعيّة ، فإنّ أدلّة الأمارات لا تكون ناظرة إلى أدلّة الاصول وشارحة لها ، بحيث لو لم تكن الاصول مجعولة لكان جعل الأمارات لغوا ، فإنّ الخبر مثلا حجّة سواء كان الاستصحاب حجّة أم لا ، ولا يلزم كون حجيّة الخبر لغوا على تقدير عدم حجيّة الاستصحاب ، إلّا أنّ الأمارات موجبة لارتفاع الاصول بالتعبّد الشرعي ولا تنافي بينهما ليدخل في التعارض.
__________________
(١) الكافي ٥ : ١٤٧ / ١. الفقيه ٣ : ١٧٦ / ٧٩١. التهذيب ٧ : ١٨ / ٧٦. الوسائل ١٨ : ١٣٥ ، أبواب الربا ، ب ٧ ، ح ١.
(٢) الفقيه ٤ : ٢٤٣ / ٧٧٧. الوسائل ٢٦ : ١٤ ، أبواب موانع الإرث ، ب ١ ، ح ١٠.
(٣) الحج : ٧٨.