الضرورة الخلقيّة تعني ـ كما قلنا ـ اتّصاف الفعل الاختياري بأوليّة فعله أو تركه في مقابل الفعل الاختياري الغير المتّصف بأولويّة فعله أو تركه ، وان كان كلاهما واقعان تحت السلطنة اذا صحّ التعبير.
ومن هنا كانت الضرورة الخلقيّة مباينة للضرورة التكوينيّة ماهية ومختلفة معها رتبة ، إذ انّ الواقع في رتبة الضرورة التكوينيّة هو السلطنة ، وأمّا الضرورة الخلقيّة فهي متأخّرة رتبة عن السلطنة.
والمتحصّل ممّا ذكرناه انّ الحسن والقبح من الصفات الواقعيّة لبعض الأفعال الاختياريّة ، فالفعل الاختياري المتّصف واقعا بأولويّة فعله حسن ، والفعل الاختياري المتّصف بأولويّة تركه واقعا قبيح ، وأولويّة الفعل أو الترك ـ والذي هو الضرورة الخلقيّة أو الحسن والقبح ـ لا يتعقّل إلاّ مع افتراض السلطنة والتي هي بمعنى انّ للفاعل ان يفعل وله ان لا يفعل ، إذ لو قلنا انّ النسبة بين الفعل والفاعل هي الوجوب والضرورة التكوينيّة دائما لما كان هناك معنى معقول لأولويّة الفعل ، فإمّا أن يكون الفعل بالنسبة لفاعله ضروري الوجود أو ضروري العدم.
هذا حاصل ما أفاده السيّد الصدر رحمهالله في مقام بيان الحسن والقبح العقليّين ، ثمّ أفاد انّ المشهور عرّفوا الحسن والقبح بأن الحسن هو الذي يصحّ المدح على فعله والقبيح هو ما صحّ الذم على فعله.
وأورد على هذا التعريف بأنّ من المقطوع به عدم صحّة ذم فاعل القبيح عند جهله بقبحه وتوهّمه حسنه ، وعدم صحّة مدح فاعل الحسن عند جهله بحسنه وتوهمه قبحه ، فإذا قلنا انّ الحسن معناه صحّة المدح وانّ القبح معناه صحّة الذم لزم من ذلك أن يكون الحسن والقبح منوطين بعلم الفاعل ، إذ انّ صحّة المدح والذم منوطان بذلك.
* * *