إنّ سقوط بغداد على يد هولاكو التتري وبقاء الحلّة مأمونة من شرّه ـ بعد أن أوفد أهل الحلّة وفدا يلتمس لهم الأمان ولبلدهم ـ أثمر ازدهار الحلّة علميا ؛ إذ أخذت هذه البلدة المأمونة تستقطب الشاردين من بغداد من الطلّاب والأساتذة والفقهاء .. وانتقل معهم التراث والنشاط العلميين إلى الحلّة ، وبذلك استقرّت الحوزة العلمية الكبرى للشيعة الإمامية في الحلّة وظهر فيها مجموعة كبيرة من الفقهاء المبدعين الذين طوّروا مناهج البحث الفقهي والاصولي ونظّموا أبواب الفقه ووسّعوا من آفاقه كما طوّروا علمي الحديث واصول الفقه ، كالمحقّق والعلّامة الحلّيين وفخر المحقّقين ابن العلّامة وابن أبي الفوارس وابن طاوس والشهيد الأوّل.
وأهمّ ملامح مدرسة الحلّة الفقهية التي تميّزت بها عن مدرسة بغداد هي :
١ ـ تنظيم أبواب الفقه :
قدّر للشيخ الطوسي الذي مثّل قمّة التطوّر للبحث الفقهي في عصره أن يجمع شتات الأشباه والنظائر في الفقه ويبوّت كلّ ذلك في أبواب خاصة بعد ما أكثر الفروع المستحدثة ، إلّا أنّنا نلاحظ شيئا من التشويش في تبويبه لأبواب الفقه.
ولأوّل مرّة نلتقي بالتنظيم الرائع لأبواب الفقه في كتاب ( شرائع الإسلام ) للمحقق الحلّي ( م ٦٧٦ ه ) وقد استمرّ فقهاء الشيعة على هذا التنظيم الرباعي لأبواب الفقه إلى العصر الحاضر.
وأساس هذا التقسيم الرباعي عند المحقّق هو :
إنّ الحكم الشرعي إمّا أن يتقوّم بقصد القربة أو لا. والأوّل : ( العبادات ). والثاني : إمّا أن يحتاج إلى لفظ من الجانبين أو من جانب واحد أو لا يحتاج إلى اللفظ. فالأوّل : ( العقود ) ، والثاني : ( الإيقاعات ) ، والثالث : ( الأحكام ). وبهذا تندرج جميع أبواب الفقه ومسائله في أقسام أربعة