فعول على حقيقته في الطهارة الشرعيّة يوجب المصير إلى المجاز ، ومن المعلوم أنّ الحقيقة اللّغويّة من [ المجازات ] (١) الشرعيّة فلم رجّحتم التجوّز بإرادة كونه مطهّرا على التجوّز بإرادة المعنى اللّغوي؟
سلّمنا. لكن المدّعى كون ذلك المعنى مدلول لفظ الطهور لغة. وأين هذا منه؟! ويحكى عن بعض العامّة : إنكار دلالته على غير الطهارة ؛ محتجّا بأنّ فعولا يفيد المبالغة في فائدة فاعل ، كما يقال : « ضروب وأكول » لزيادة الأكل والضرب. ولا يفيد شيئا مغايرا له. وكون الماء مطهّرا مغاير لمعنى الطاهر فلا تتناوله المبالغة.
وهذا الكلام له في الجملة وجه. غير أنّ التحقيق ما ذكره بعض المفسّرين من أنّ الطهور في العربيّة على وجهين : صفة ، كقولك : ماء طهور أي طاهر ، واسم غير صفة : وهو ما يتطهّر به كالوضوء والوقود ـ بفتح الواو فيهما ـ لما يتوضّأ به وما توقد به النار.
وعلى هذا تكون لطهور دلالة على معنى مطهّر ؛ لأنّ كون الماء ممّا يتطهّر به يقتضي كونه مطهّرا. ولا مجال لإنكار ورود طهور بهذا المعنى ، فقد نصّ عليه جميع أهل اللغة على ما وصل إلينا.
قال في الجمهرة : الطهور الماء الذي يتطهّر به ـ بفتح الطاء (٢).
وقال الجوهري : الطهور ما يتطهّر به كالفطور والسحور والوقود (٣).
وفي نهاية ابن الأثير : « الطهور ـ بالضمّ ـ التطهّر ، و ـ بالفتح ـ الماء الذي
__________________
(١) « أ » و « ب » و « ج » : مجازات.
(٢) جمهرة اللغة ٢ : ٣٧٦.
(٣) الصحاح ٢ : ٧٢٧ ، مادّة : طهر.