فأجيبوا ببيان الغرض (١) من هذا الاختلاف وهو أنّ الأهلّة بحسب ذلك الاختلاف معالم (٢) يوقّت بها النّاس أمورهم من المزارع والمتاجر ومحالّ الدّيون والصّوم وغير ذلك ، ومعالم للحجّ يعرف بها وقته ، وذلك (٣) للتّنبيه على أنّ الأولى والأليق بحالهم أن يسألوا عن ذلك (٤) ، لأنّهم ليسوا (٥) ممّن يطّلعون بسهولة على دقائق علم الهيئة ، ولا يتعلّق لهم به غرض [وكقوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ)(١) (٦)] سألوا عن بيان ما ذا ينفقون ، فأجيبوا ببيان المصارف تنبيها على أنّ المهمّ هو السّؤال عنها (٧) ،
______________________________________________________
(١) أي الفائدة والغاية.
(٢) جمع معلم ، كالمواقيت جمع ميقات ، بمعنى العلامة.
(٣) أي الجواب ببيان الغرض.
(٤) أي عن الغرض ، لا عن السّبب «للتّنبيه ...».
(٥) أي إنّهم ليسوا ممّن يطّلعون على ذلك بسهولة ، لعدم حصول الآلات عندهم لا لحماقتهم.
(٦) محلّ الشّاهد هو : أنّ السّؤال في هذه الآية إنّما هو عن المنفق ، وحينئذ تكون هذه الآية من قبيل تلقّي السّائل بغير ما يتطلّب.
نعم ، لو كان السّؤال عن المنفق والمصرف معا ، كما قيل لما كانت الآية من قبيله ، بل من قبيل الجواب عن البعض وهو المصرف صراحة وعن البعض الآخر ضمنا ، لأنّ في ذكر الخير إشارة إلى أنّ كلّ مال نافع ينفق منه. وكيف كان ، فإنّه قد روي أنّ عمرو بن الجموح جاء إلى النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو شيخ كبير له مال عظيم ، فقال : ماذا ننفق من أموالنا «فأجيبوا ببيان المصرف» أي لا ببيان المنفق على ما نحن بصدد بيانه ، ولو أنّهم أجيبوا ببيانه لقيل : أنفقوا مقدار كذا وكذا ، أو أنفقوا من كذا وكذا
(٧) أي عن المصارف.
__________________
(١) سورة البقرة : ٢١٥.