وذهب البعض إلى أنّ مفهوم هذه الجملة هو حرمة المقاربة الجنسيّة مع الزّوجة عن غير الطريق الطبيعي ، ولكن مع الالتفات إلى أنّ الآيات السابقة لم تتحدّث عن هذا الأمر يكون هذا التفسير غير مناسب للسّياق (١).
الآية الثانية إشارة لطيفة إلى الغاية النهائيّة من العمليّة الجنسيّة فتقول (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) في هذه الآية الكريمة شبّهت النساء بالمزرعة ، وقد يثقل هذا التشبيه على بعض ، ويتساءل لماذا شبّه الله نصف النوع البشري بهذا الشكل؟
ولو أمعنا النظر في قوله سبحانه لوجدنا فيه إشارة رائعة لبيان ضرورة وجود المرأة في المجتمع الإنساني. فالمرأة بموجب هذا التعبير ليست وسيلة لإطفاء الشهوة ، بل وسيلة لحفظ حياة النوع البشري.
«الحرث» مصدر يدلّ على عمل الزراعة ، وقد يدلّ على مكان الزراعة «المزرعة» و «أنّى» من أسماء الشرط ، وتكون غالبا زمانية. وقد تكون مكانية كما جاء في قوله سبحانه : (يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ) (٢).
يستفاد من الآية الكريمة ـ على افتراض زمانية أنّى ـ الرخصة في زمان الجماع ، أي جوازه في كلّ ساعات الليل والنهار ، وعلى افتراض مكانية أنّى يستفاد من الآية الرخصة في مكان الجماع ومحلّه وكيفيته.
(وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ)
هذا الأمر القرآني يشير إلى أنّ الهدف النهائي من الجماع ليس هو الاستمتاع باللذة الجنسية ، فالمؤمنون يجب أن يستثمروه على طريق تربية أبناء صالحين ، وأن يقدّموا هذه الخدمة التربوية المقدّسة ذخيرة لاخراهم. وبذلك يؤكّد القرآن
__________________
(١) تأتي كلمة «حيث» بعنوان اسم مكان واسم زمان ، ولكن هنا تشير إلى زمن جواز المقاربة الجنسية أي زمن الطهر.
(٢) آل عمران : ٣٧.