واحتمل البعض أنّها تتعلّق بكلا الطائفتين ، فالطائفة الاولى يتمتّعون بالنعم والمواهب الدنيويّة ، والطائفة الثانية يتمتّعون بخير الدنيا والآخرة كما ورد ما يشبه هذه الآيات في سورة الإسراء الآية ١٨ إلى ٢٠ حيث يقول : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً).
ولكنّ التفسير الأوّل منسجم مع الآيات مورد البحث أكثر.
عبارة (نصيب) مع أنّها جاءت بصورة نكرة ، ولكنّ القرائن تدلّ على أنّ النكرة هنا لبيان العظمة ، والتعبير بقوله (مِمَّا كَسَبُوا) ليست إشارة إلى قلّة النصيب والثواب والجزاء ، لأنّه من الممكن أن تكون (من) ابتدائيّة لا تبعيضيّة.
أمّا التعبير بقوله (كسب) في جملة (ممّا كسبوا) فتعني ـ كما ذهب إليه كثير من المفسّرين ـ الدّعاء لطلب خير الدنيا والآخرة ، فاختيار هذا التعبير قد يكون إشارة إلى نكتة لطيفة وهو أنّ الدعاء بذاته يعتبر من أفضل العبادات والأعمال ، ومن خلال التحقيق في عشرات الآيات الواردة في القرآن المجيد في مادّة «كسب» ومشتقاتها يستفاد جيّدا أنّ هذه المفردة تستعمل أيضا لغير الأعمال الجسميّة أيضا ، أي الأعمال القلبيّة والروحيّة كما ورد في الآية ٢٢٥ من سورة البقرة (وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ).
فلا عجب أن يكون الدّعاء إذا نوع من الكسب والاكتساب وخاصّة إذا لم يكن الدعاء باللّسان فقط بل مقترن بجميع وجود الإنسان.
أمّا جملة (وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ) الواردة في الفقرة الأخيرة من الآية فإنّها تشير إلى سرعة حساب الله تعالى لعباده ، فإنّه يجازي بالثواب والعقاب نقدا وبدون تأخير ، فقد ورد في الحديث الشريف (إنّ الله تعالى يحاسب الخلائق كلّهم