التولّي من الولاية بمعنى الحكومة ، فيكون معنى الولاية حينئذ أنّ المنافقين إذا حكموا في الأرض أهلكوا الحرث والنسل وأشاعوا الظلم بين عباد الله ، وبسبب ظلمهم وجورهم تهلك الماشية وتتعرّض أموال ونفوس الناس للخطر (١).
(حرث) بمعنى الزّراعة ، (نسل) بمعنى الأولاد ، وتطلق أيضا على أولاد الإنسان وغير الإنسان ، فعلى هذا يكون إهلاك الحرث والنسل بمعنى إتلاف كلّ الموجودات الحيّة أعمّ من الأحياء النباتيّة والحيوانيّة والإنسانيّة.
وذكر لمعنى الحرث والنسل تفاسير اخرى منها : أنّ المراد بالحرث هو النساء بقرينة الآية الشريفة (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) (٢) والمراد بالنسل هم الأولاد ، أو يكون المراد من الحرث هنا الدين والعقيدة والنسل الناس (وهذا التفسير هو الوارد في الحديث الشريف عن الإمام الصادق عليهالسلام المذكور في مجمع البيان).
وعلى كلّ حال فإنّ التعبير (يُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ) كلام مختصر وجامع لكلّ المصاديق حيث يشمل الإفساد والتخريب بالنسبة للأموال والنفوس في المجتمع البشري.
والآية الاخرى تضيف (وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ) (٣) فتشتعل في قلبه نيران التعصّب واللّجاج وتجرّه إلى المعصية والإثم.
فمثل هذا الشخص لا يستمع إلى نصيحة النّاصحين ولا يهتم للإنذارات الإلهيّة ، بل يستمر على عناده وارتكابه للآثام والمنكرات مغرورا ، فلا يكون جزاءه إلّا النار ، ولذلك يقول في نهاية الآية (فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ).
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج ٢ ، ص ٩٦ ـ وكذلك أشير إلى هذا البحث في ذيل هذه الآية في تفسير مجمع البيان وأبو الفتوح الرازي ، ولكن هذا الرأي لا يناسب سبب النّزول ، وإن كان مفهوم الآية واسعا.
(٢) البقرة ، ٢٣٣.
(٣) العزة في مقابل الذلّة في الأصل. ولكن هنا ورد بمعنى الغرور والنخوة ، (روح المعاني) والراغب يرى أنها بمعنى عدم المغلوبية في الأصل ، ومجازا تأتي بمعنى الغرور.