يقول سبحانه : في الآية الأولى من هذه الآيات : (وَكَأَيِّنْ) (١) (مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ) (٢) (كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) فأنصار الأنبياء إذا واجهوا المصاعب والجراحات والشدائد في قتالهم الأعداء لم يشعروا بالضعف والهوان أبدا ، ولم يخضعوا للعدو أو يستسلموا له ، ومن البديهي أن الله تعالى يحب مثل هؤلاء الأشخاص الذين يثبتون ويصبرون في القتال (وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ).
فهؤلاء عند ما كانوا يواجهون المشاكل بسبب بعض الأخطاء أو العثرات وعدم الانضباط لم يفكروا في الاستسلام للأمر الواقع ، أو يحدثوا أنفسهم بالفرار أو الارتداد عن الدين والعقيدة بل كانوا يتضرعون إلى الله يطلبون منه الصبر والثبات ، والعون والمدد ويقولون (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا* وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ).
إنهم بمثل هذا التفكر الصحيح والعمل الصالح كانوا يحصلون على ثوابهم دون تأخير، وهو ثواب مزدوج ، أما في الدنيا فالنصر والفتح ، وأما في الآخرة فما أعد الله للمؤمنين المجاهدين الصادقين : (فَآتاهُمُ اللهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ).
ثمّ إنه سبحانه يعد هؤلاء ـ في نهاية هذه الآية ـ من المحسنين إذ يقول :(وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).
وبهذا النحو يبين القرآن درسا حيا للمسلمين الحديثي العهد بالإسلام ، من
__________________
(١) «كأيّن» أي ما أكثر ، ويقال أنها اسم مركب ـ أصلا ـ من كاف التشبيه وأي الاستفهامية فظهرتا في صورة الكلمة الواحدة التي فقد عندها معنيا الجزئين ، واكتسبت معنى جديدا هو «ما أكثر».
(٢) «ربيون» جمع «ربى» وزان «على» يطلق على من اشتد ارتباطه بالله عزوجل ، ويكون مؤمنا عالما ، صامدا مخلصا.