ومزقوا شملهم ما داموا كانوا يتبعون تعاليم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ويتقيدون بأوامره ، وما داموا كانوا يتحلون بالثبات والاستقامة ، فلم تلحق بهم الهزيمة إلّا عند ما وهنوا وتجاهلوا أوامر القيادة النبوية الدقيقة. وهذا يعنى أن عليهم أن لا يتوهموا بأن الوعد بالتأييد والنصر مطلق لا قيد له ولا شرط ، بل كل الوعود الإلهية بالنصر مقيدة باتباع تعاليم الله بحذافيرها ، والتمسك بأهدافها.
أما متى وعد الله المسلمين بالنصر في هذه المعركة ، فهناك احتمالان :
الأوّل : أن يكون المراد هو تلك الوعود العامة التي يعد الله بها المؤمنين دائما حيث يخبرهم بأنّه سبحانه ينصرهم على الكافرين والأعداء.
الآخر: ان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قد وعد المسلمين بصراحة قبل أن يخوضوا معركة «أحد» بأنهم منتصرون في تلك المعركة ، ووعد النبي هو الوعد الإلهي بلا ريب.
ثمّ إنه سبحانه يقول : بعد بيان هذه الحقيقة حول النصر الإلهي (وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ).
ومن هذه العبارة التي هي إشارة إلى ما طرأ على وضع الرماة في جبل «عينين» يستفاد بوضوح بأن الرماة الذين كلفوا بحراسة الثغر قد اختلفوا فيما بينهم في ترك ذلك الثغر ومغادرة ذلك الموقع في الجبل فعصى فريق كبير منهم ، (وهذا قد يستفاد من لفظة عصيتم التي تفيد أن الأغلبية والأكثرية من الرماة قد عصت وتجاهلت تأكيدات النبي بالبقاء هناك).
ولهذا يقول القرآن الكريم بأنّكم عصيتم من بعد ما أراكم النصر الساحق الذي كنتم تحبون ، أي أنّكم بذلتم غاية الجهد لتحقيق النصر ، ولكنكم وهنتم في حفظه ، وتلك حقيقة ثابتة أبدا أن الحفاظ على الانتصارات أصعب بكثير من تحقيقها.
أجل لقد اختلفتم فيما بينكم وتنازعتم في تلك اللحظات الحساسة البالغة الأهمية (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ).