فأصدر الله سبحانه إلى نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم أمره بأن يعفو عنهم ، ويتجاوز عن سيئهم ويستقبل المخطئين التائبين منهم بصدر رحب.
إذ قال تعالى : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ ، وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) ولقد أشير في هذه الآية ـ قبل أي شيء ـ إلى واحدة من المزايا الأخلاقية لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ألا وهي اللين مع الناس والرحمة بهم ، وخلوه من الفظاظة والخشونة.
«الفظّ» ـ في اللغة ـ هو الغليظ الجافي الخشن الكلام ، و «غليظ القلب» هو قاسي الفؤاد الذي لا تلمس منه رحمة ، ولا يحس منه لين.
وهاتان الكلمتان وان كانتا بمعنى واحد هو الخشونة ، إلّا أن الغالب استعمال الأولى في الخشونة الكلامية ، واستعمال الثانية في الخشونة العملية والسلوكية ، وبهذا يشير سبحانه إلى ما كان يتحلى به الرسول الأعظم من لين ولطف تجاه المذنبين والجاهلين.
ثمّ إنه سبحانه يأمر نبيه بأن يعفو عنهم إذ يقول : (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ).
وهذا الكلام يعني أنه سبحانه يطلب منه صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يتنازل عن حقه لهم إذ تفرقوا عنه في أحلك الظروف ، وسببوا له تلك المصائب والمتاعب في تلك المعركة ، وأنه يشفع لهم لدى نبيه بأن يتجاوز عنهم ، وأن يشفع هو بدوره لهم عند الله ويطلب المغفرة لهم منه سبحانه.
وبتعبير آخر أنه سبحانه يطلب من نبيه أن يعفو عنهم فيما بينه وبينهم ، وأما ما بين الله وبينهم فهو سبحانه يغفر لهم ذلك. وقد فعل الرسول الكريم ما أمره به ربه وعفى عنهم جميعا.
ومن الواضح أن هذا المقام كان من الموارد التي تتطلب حتما العفو والمغفرة ، واللطف واللين ، ولو أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فعل غير ذلك لكان يؤدي ذلك إلى انفضاض