ويوقف حركة الفكر وتقدمه ، ويميت المواهب المستعدة بل يأتي عليها ، وبهذا الطريق تهدر أعظم طاقات الأمة الإنسانية.
ومضافا أيضا إلى أن الذي يشاور الآخرين في أموره وأعماله إذا حقق نجاحا قل أن يتعرض لحسد الحاسدين ، لأن الآخرين يرون أنفسهم شركاء في تحقيق ذلك الإنتصار والنجاح ، وليس من المتعارف أن يحسد الإنسان نفسه على نجاح حققه ، أو انتصار أحرزه.
وأما إذا أصابته نكسة لم تلمه ألسن الناس ، ولم يتعرض لسهام نقدهم واعتراضهم ، لأن الإنسان لا يعترض على عمل نفسه ، ولا ينقد فعل ذاته ، بل سيشاطرونه الألم ، ويتعاطفون معه ، ويشاركونه في التبعات.
كلّ ذلك لأنهم شاركوه في الرأي وشاطروه في التخطيط ، ولم يكن متفردا في العمل ، ولا مستبدا في الرأي.
ثمّ إن هناك فائده أخرى للمشاورة وهي أن المشاورة خير محك لمعرفة الآخرين ، والتعرف على ما يكنونه للمستشير من حب أو كراهية ، وولاء أو عداء ، ولا ريب في أن هذه المعرفة ممّا يمهد سبيل النجاح ، ولعلّ استشارات النبي الأكرم ـ مع ما كان يتمتع به من قوة فكرية وعقلية جبارة ـ كانت لهذه الأسباب مجتمعة.
لقد ورد حث شديد وتأكيد ليس فوقه تأكيد على سنة المشاورة ، وفي الأحاديث والأخبار الإسلامية ففي حديث منقول عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال : «ما شقي عبد قط بمشورة ولا سعد باستغناء رأي» (١).
كما ونقرأ في كلمات الإمام علي عليهالسلام قوله : «من استبد برأيه هلك ، ومن شاور الرجال شاركها في عقولها» (٢).
__________________
(١) تفسير أبي الفتوح الرازي.
(٢) نهج البلاغة ـ الحكمة ١٦١.