إن الجدير بالتأمل هو أن مسألة المشاورة ذكرت في الآية الحاضرة بصيغة الجمع «وشاورهم» ولكن اتخاذ القرار الأخير جعل من وظيفة الرسول الكريم خاصة إذا جاء بصيغة المفرد «عزمت».
إن الاختلاف في التعبير إشارة إلى نكتة مهمة وهي أن تقليب وجوه الأمر ، ودراسة القضية الاجتماعية من جميع جوانبها وأطرافها يجب أن تتم بصورة جماعية ، وأما عند ما يتم التصديق على شيء فإن إجراءه وإبرازه في صورة القرار القطعي يجب أن يوكل إلى إرادة واحدة ، وإلّا وقع الهرج والمرج ، ودبت الفوضى في الأمة لأن التنفيذ بوساطة قادة متعددين من دون الانطلاق من قيادة واحدة متمركزة سيواجه الاختلاف ، ويؤول إلى النكسة والهزيمة ، ولهذا تتم المشاورات في عالمنا الراهن بصورة جماعية ، ولكن إجراء نتائجها تناط إلى الدول والأجهزه التي تدار وتعمل تحت إشراف شخص واحد ، وفرد معنى لا متعددين.
والموضوع المهم الآخر الذي تشير إليه الجملة السابقة (فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ)هو أن اتخاذ القرار الأخير يجب أن يقترن بالتوكل على الله ، بمعنى أن عليكم أن تستمدوا العون من الله القادر المطلق ولا تنسوه في الوقت الذي تهيئون فيه الأسباب العادية والوسائل المادية للأمر.
على أن التوكل لا يعني بالمرة أن يتجاهل الإنسان الأسباب المادية والوسائل العادية للنصر والتي جعلها الله سبحانه في عالم المادة ، ومكن الإنسان الأخذ بها ، فقد روي في حديث أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال لأعرابي حضر عند النبي وقد ترك ناقته سادرة في الصحراء دون أن يعقلها حتّى لا تفر أو تضل ، ظنا بأن هذا من التوكل على الله «أعقلها وتوكل».
أجل ليس المراد من التوكل هو هذا المفهوم الخاطئ ، بل المراد منه هو أن لا ينحصر الإنسان في حصار هذا العالم المادي ، وفي حدود قدرته الضيقة ،