غلّ يوم القيامة ليس هو أنّه يحمل كلّ ذلك حملا أو يستصحبه استصحابا حقيقيا معه يوم القيامة ، بل المراد هو أنه يتحمل مسئولية ذلك ، ولكن بالنظر إلى مسألة «تجسم الأعمال» في يوم القيامة لا يبقى أي مبرر ولا أي داع لهذا التفسير ، بل ـ وكما يدلّ عليه ظاهر الآية ويشهد به ـ يأتي الخائن وهو يحمل عين ما غل كوثيقة حية تشهد على خيانته وغلوله،أو يستصحبها معه.
(ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) يعني أن الناس يجدون عين أعمالهم هناك ، ولهذا فهم لا يظلمون لأنه يصل إلى كلّ أحد نفس ما كسبه خيرا كان أو شرا.
ولقد أثّرت الآية السابقة ، والأحاديث التي صدرت عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وهي تذم الخيانة والغلول في نفوس المسلمين وخلقهم تأثيرا عجيبا حتّى أنهم ـ نتيجة لهذه التربية ـ لم يصدر عنهم أقل خيانة ولا أدنى غلول في غنائم الحرب أو الأموال العامة ، إلى درجة أنهم كانوا يأتون بالغنائم الغالية الثمن الصغيرة الحجم التي كان من السهل إخفاؤها إلى النبي ، أو القادة من بعده دون أي تصرف فيها ، الأمر الذي يدعو إلى الدهشة والإكبار والعجب.
فقد كان هؤلاء نفس أولئك العرب القساة ، الجفاة ، المغيرون ، السلابون قطاع الطرق في الجاهلية ، وقد أصبحوا الآن ـ في ظل التربية الإسلامية ـ في قمة الصلاح والأمانة ، وفي ذروة الاستقامة والطهر ، والتقى وكأنهم يرون مشاهد القيامة بأم أعينهم ، كيف يقدم الخائنون في الأموال والأمانات إلى المحشر وهم يحملون على أكتافهم وظهورهم ما غلوه وخانوه.أجل لقد كان هذا الإيمان يحذرهم من الخيانة ، بل يصرفهم حتّى عن التفكير فيها.
كتب الطبري في تاريخه أنه لما هبط المسلمون بالمدائن ، وجمعوا الأقباض