الأصل تعني الشّدة وأمثالها ، وتطلق على كلّ نوع من العذاب والمشّقة ، ويطلق على الأشخاص الشّجعان الّذين يخوضون الحرب بضراوه وشدّة (بأيس) أو (ذو البأس).
وكلمة (ضرّاء) كما يقول الرّاغب في مفرداته هي النقطة المقابلة للسرّاء ، وهي ما يسرّ الإنسان ويجلب له النفع ، فعلى هذا الأساس تعني كلمة ضرّاء كلّ ضرر يصيب الإنسان ، سواء في المال أو العرض أو النفس وأمثال ذلك.
جملة (مَتى نَصْرُ اللهِ) قيلت من قبل النبي والمؤمنين حينما كانوا في منتهى الشّدة والمحنة ، وواضح أنّ هذا التعبير ليس اعتراضا على المشيئة الإلهيّة ، بل هو نوع من الطلّب والدعاء ، ولذلك تبعته البشارة بالإمداد الإلهي.
وما ذكره بعض المفسرين من احتمال أن تكون جملة (متى نصر الله) قيلت من طرف جماعة من المؤمنين ، وجملة (ألا إنّ نصر الله قريب) قيلت من قبل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بعيد جدّا.
وعلى ايّة حال ، فإنّ الآية أعلاه تحكي أحد السنن الالهيّة في الأقوام البشريّة جميعا،وتنذر المؤمنين في جميع الأزمنة والأعصار أنّهم ينبغي عليهم لنيل النّصر والتوفيق والمواهب الاخرويّة أن يتقبّلوا الصّعوبات والمشاكل ويبذلوا التضحيات في هذا السبيل ، وفي الحقيقة إنّ هذه المشاكل والصّعوبات ما هي إلّا إمتحان وتربية للمؤمنين ولتمييز المؤمن الحقيقي عن المتظاهر بالإيمان.
وعبارة (الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ) تقول للمسلمين : أنّكم لستم الوحيدين في هذا الطريق الّذين ابتليتم بالمصائب من قبل الأعداء ، بل أنّ الأقوام السّالفة ابتلوا أيضا بهذه الشدائد والمصائب إلى درجة أنّهم مسّتهم البأساء والضرّاء حتّى استغاثوا منها.
وأساسا فإنّ رمز التكامل للبشريّة أن يحاط الأفراد والمجتمعات في دائرة البلاء والشّدائد حتّى يكونوا كالفولاد الخالص وتتفتّح قابليّاتهم الداخليّة وملكاتهم النفسانيّة ويشتد إيمانهم بالله تعالى ، ويتميّز كذلك المؤمنون والصّابرون