(النبات الشديد الخضرة) حتى مال بشدة اخضراره إلى السواد ، وقد اشترك التشبيهان فى كون الوجه محققا فيهما فى الطرفين ، لكن وجه الشبه فى التشبيه الأول ـ أعنى تشبيه النجوم بين الدجى بالشعر الأبيض فى الأسود ـ الهيئة الحاصلة من حصول أشياء بيض فى جنب شيء أسود ، والوجه فى الثانى ـ أعنى تشبيهها بالأنوار ـ فيه مخالفة ما لذلك ؛ إذ الأنوار لا يشترط بياضها ، فهو الهيئة الحاصلة من حصول أشياء متلونة بلون مخالف للون ما حصلت فى جانبه مما فيه إظلام ما ، وذلك ظاهر ، فتحقق بما قرر أن تشبيه النجوم بين الدجى بالسنن بين الابتداع صحيح ـ كما بينا ـ لوجود وجه الشبه فى الطرفين ، وإن كان فى السنن بين الابتداع ؛ إنما هو بطريق التأويل وتخييل أن ما ليس بمتلون متلونا ببياض فى إظلام على ما قررناه فيما تقدم ، فإذا قيل : النجوم فى الدجى كالسنن فى الابتداع صح أن يقال فى تفسير الوجه فى كون كل منهما شيئا ذا بياض بين أجزاء شيء ذى سواد ، وإن كان فى الثانى تخييلا ، وتحقق أيضا أن قوله : سنن لاح بينهن ابتداع فيه قلب كما قررنا فيما تقدم ، وأشرنا إلى الاعتذار عنه ، وأن الأصل سنن لحن بين الابتداع ، ف (إذا) حقق وجوب اشتراك الطرفين فى الوجه ، وأنه لا بد من وجوده فيهما تحقيقا أو تخييلا (علم) أن التشبيه إذا اعتبر فيه وجه لم يوجد فى الطرفين تحقيقا ولا تخييلا ، فذلك الاعتبار فاسد ، فعلم بذلك (فساد جعله) أى : جعل وجه الشبه (فى قول القائل : النحو فى الكلام كالملح فى الطعام كون القليل) ، أى : جعل وجه الشبه فى ذلك كون القليل من كل من النحو والملح (مصلحا) لما وجد فيه ، وهو الكلام فى الأول والطعام فى الثانى ، (والكثير) منهما (مفسدا) لما وجد فيه ، وإنما فسد جعل الوجه بين النحو والملح ما ذكر لعدم وجود الوجه المذكور فى النحو ، وهو المشبه ، فلم يشترك الطرفان فى الوجه ؛ وإنما قلنا : لم يوجد ذلك الوجه فى المشبه الذى هو النحو (لأن النحو لا يحتمل) أى : لا يقبل (القلة والكثرة) فيما يعتبر فيه من الكلام ، وإن قبلها فى نفسه بكثرة جزئياته ، لكن لا غرض لنا فى كثرة جزئياته ، وإنما الغرض ما يستعمل منه ، ويراعى فى الكلام وهو الذى اعتبر فى التشبيه ، وبذلك الاعتبار لا تعدد له حتى يحتمل القلة والكثرة ، وبيان ذلك أن النحو قواعد معلومة ، فكل كلام اعتبرته فيه ، فإن راعيت