التضاد المشترك فيه (منزلة التناسب) والتماثل فى جامع يرفع الضدية الكائنة بين الطرفين ، وهذا التنزيل أعان عليه الاشتراك ، فذكر الاشتراك على هذا للبيان ؛ إذ لا بعد فى هذا التنزيل المؤدى إلى أخذ الوجه من التضاد ، فإن قلت : إذا كان الاشتراك فى التضاد كافيا فى أخذ الوجه المقتضى لنفى الضدية بواسطة تنزيل ذلك التضاد منزلة التناسب فى وجه يرفع التضاد لتصحيح الاشتراك ذلك التنزيل ضرورة اتصاف التضاد والتناسب بالاشتراك فى كل منهما صح أن يقال : السماء كالأرض فى الانخفاض ، والأرض كالسماء فى الارتفاع ، والسواد كالبياض فى تفريق البصر ، والبياض كالسواد فى عدمه ، ونحو هذا مما لم يصح وروده عن البلغاء ، وإنما قلنا بصحته ضرورة أن كل ذلك وجد فيه الاشتراك فى التضاد المصحح لتنزيله منزلة التناسب على ما قررت.
(قلت) اعتبار الاشتراك لتصحيح أخذ الوجه المقتضى للمناسبة إنما هو لزيادة توجيه الصحة ، دفعا لاستغراب أخذ المناسبة من التضاد ، وإلا فلا تكفى مجرد الاشتراك وإلا لزم ما ذكر ، بل لا بد فى صحة الأخذ من زيادة وجود تمليح أو تهكم ، وإلى ذلك أشار بقوله : (بواسطة تمليح أو تهكم) ، أى : إنما صح تنزيل التضاد منزلة التناسب فى الوجه الرافع للتضاد فيجعل ذلك الرافع للتضاد هو الوجه لأجل وجود الاشتراك فى التضاد والتناسب فى الجملة بواسطة التمليح والتهكم ، أى : إنما أعان على صحته وقبوله قصد التمليح أو التهكم أو قصدهما معا (فيقال) مثلا (للجبان) ، أى : للشخص المعلوم بالجبن : (ما أشبهه بالأسد) فى الشجاعة ، (وللبخيل) ، أى : الشخص المعلوم بالبخل : (هو حاتم) فى الكرم ، وكلا المثالين صالح لقصد التمليح ولقصد التهكم ولقصدهما معا ، فإذا قامت القرائن على عدم قصد الاستهزاء بالمشبه لصداقة له مثلا ، وإنما قصد التمليح ، أى : الإتيان بشيء مليح يستبدع ويستظرف عند السامع ، كانت الواسطة تملحيا ، وإذا قامت على قصد الاستهزاء بالمخاطب لعداوة وغضب من غير أن يكون ، ثم من تقصد ظرافة الكلام معه كانت الواسطة التهكم ، وإذا قامت على قصدهما معا لعداوة المشبه فقصدت إهانته وإذايته مع وجود سامع يقصد إيجاد الكلام فى غاية الظرافة والملاحة