تشبيها لو كان بحيث لو جعل في مكانه المشبه لم يصح ، فإن إسناد التشبيه هو أن لا يصح إيقاع المشبه موضع لفظ المشبه به ، وسواء حينئذ كان السطح بحيث تأتى في تقدير الأداة ، كقوله تعالى : (وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ)(١) أولا يمكن إلا بالتأويل والنظر إلى المعنى كقوله تعالى : (وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ)(٢) إذ لو جعل مكان البحرين المؤمن والكافر اللذين هما المشبهان ، أو قلبهما ، وقيل في غير القرآن مثلا وما يستوي المؤمن والكافر لم يصح مع قوله : (وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا) إلى آخر الآية ؛ فتعين أن يكون تشبيها من جهة المعنى ، لا استعارة ، أي : المؤمن والكافر كالبحرين هذا عذب إلخ ، وههنا إن جعل لفظ المشبه مكان لفظ المشبه به صح أن يكون التقدير زيد ذات صدقت عليها الشجاعة كالأسد ، ويدل على أن الأسد منقول للمشبه وهو المجترئ تعلق المجرور به ؛ لأن المنقول إليه مشتق بخلاف لفظ الأسد في الأصل ، وذلك كقوله :
أسد علي وفي الحروب نعامة (٣).
أي : مجترئ على كاجتراء الأسد ، وفي الحروب هو نعامة ، أي : جبان ؛ لأن النعامة من أجبن الحيوانات ، ومثل هذا قوله :
والطير أغربة عليه (٤).
أي : باكية عليه ؛ فإن الأغربة جمع غراب ، وهو جامد في الأصل ، وإنما صح تعلق المجرور به باعتبار المعنى المنقول إليه وهو باكية ، وإنما نقل لفظ الأغربة إلى معنى الباكية لأن الغراب يشبه الباكي الحزين ؛ إذ يزعمون أن الغراب يعلم بالموت ، ومن لازم ذلك التحزن ، فقد تقرر أن هذا مثل : زيد أسد ليصح أن يكون استعارة ، وقد بينا ـ كما بسطه في المطول ـ أنه لا يرد عليه أن فيه الجمع بين طرفي التشبيه ، لأنا حققنا أن المنقول إليه لفظ الاستعارة هو المعنى المخبر به لا زيد ، وفيما تقرر نظر من وجهين.
__________________
(١) النمل : ٨٨.
(٢) فاطر : ١٢.
(٣) البيت لعمران بن حطان مفتى الخوارج ، شعر الخوارج ص (٦٤).
(٤) بعض بيت لأبى العلاء من قصيدة يرثى بها الشريف الطاهر الموسوى ؛ مطلعها :
أودى فليت الحادثات كفاف |
حال المسيف وعنبر المستاف |