فيما وضعت له في الجملة فكان زيادة قيد التحقيق لإدخالها حيث خصص الإخراج بالحقيقة اللغوية كما بينا.
وفي عبارة السكاكي هنا ما ظاهره فاسد ، وذلك أنه قال : وقولي : " بالتحقيق" احتراز عن أن لا تخرج الاستعارة فظاهره أن المحترز عنه هو عدم خروجها ، وإذا احترز عن عدم خروجها كان مقتضى القيد خروجها ؛ لأن المحترز عنه منفي عن التعريف ، وإذا كان المنفي عن التعريف عدم خروجها كان الثابت في التعريف خروجها إذ لا واسطة بين النقيضين ، ومن المعلوم أن المطلوب بزيادة التحقيق دخولها لا خروجها كما ينافي ما تقدم ، فقد ظهر فساد ظاهر العبارة إلا أن يجاب بحمل كلامه على أن لا زائدة على حد قوله تعالى (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ)(١) إذ المقصود ليعلم أهل الكتاب أن لا يقدرون على شيء من فضل الله وأن الفضل بيد الله ، أو يجاب بأن المحترز عنه محذوف وتجعل أن وما بعدها علة للاحتراز عن المحترز عنه ، ويتم هذا بجعل عن بمعنى لام التعليل ويكون المحترز عنه محذوفا دل عليه لفظ الاحتراز ، أو يحذف مجرورها ثم تقدر لام التعليل بعدها فيكون التقدير والمعنى احترازا عن خروجها وعلة الاحتراز عن الخروج والحامل عليه هو طلب عدم خروجها وذلك بإدخالها ، فكأنه يقول أوقعنا الاحتراز عن خروجها بذلك القيد لئلا تخرج ، وفيه من التعسف والتقدير ما لا يخفى.
ثم أشار إلى ما فيه رد مقتضى زيادة التحقيق ومقتضى زيادة قوله من غير تأويل بقوله (ورد) مقتضى ما ذكره السكاكي في التعريفين ، وهو أنه إنما زاد قيد قوله : " بالتحقيق" لتدخل الاستعارة وقيد قوله : " من غير تأويل" لتخرج عن حد الحقيقة ، وذلك أن مقتضى ذلك أن قيد التحقيق محتاج إليه في التعريف وأنه إن لم يزده في تعريف المجاز خرجت عنه الاستعارة مع أنها مجاز لغوي ، وقيد قوله : " من غير تأويل" محتاج إليه في تعريف الحقيقة وإلا دخلت الاستعارة أي رد مقتضى ما ذكر من الحاجة إلى زيادة قيدي التحقيق
__________________
(١) الحديد : ٢٩.