الرأس ، وعرضه يستلزم عظم الرأس غالبا ، والمقصود هنا العظم المفرط ؛ لأنه هو الدال على البلاهة ، وأما عظمه بلا إفراط بل مع اعتدال فيدل على علو الهمة والنباهة وكمال العقل ، ولذلك وصف به صلىاللهعليهوسلم ، فدلالة عرض القفا على البلاهة فيه خفاء ما ؛ لأنه لا يفهمه كل أحد ، ولكنه يفهم عند من له اعتقاد في ملزميته للبله ، فإن قلت : من له الاعتقاد لا خفاء بالنسبة إليه ، ومن لا اعتقاد له لا كناية باعتباره ؛ إذ لا يفهم المراد أصلا قلت : المراد بالخفاء هنا كثرة الجاهلين باللزوم ، فالمعنى أنها من شأنها أن تخفى لكثرة الجاهلين ، وعلى المتكلم بها أن لا يخاطب إلا من يظن اعتقاده فإن لم يصادفه حصل خفاء ، ولكن هذا بينه وبين قولهم يفهمها بإعمال الروية منافاة ما إلا أن يحمل على أنه قد يفهم بالقرينة الآن ، ولو لم يتقدم له اعتقاد ، ويحتمل أن يكون الخفاء على بابه ، وأنه باعتبار المخاطب والمتكلم ؛ إذ لا يلزم من تقدم اعتقاد اللزوم حضوره حال الخطاب ، فيجوز أن يكون بعض المعاني المخزونة يدرك لزومها بمطلق الالتفات ، فلا تخفى الكناية عنها على المتكلم عند روم إيجادها ، ولا تخفى على السامع عند سماعها ، ويجوز أن يكون إدراك لزومها يحتاج إلى تصفح المعاني ، والدلالة بالقرائن الخفية الدلالة فيحتاج المتكلم في إيجادها إلى تأمل السامع في فهمها إلى روية فافهم.
وكون عرض القفا كناية عن البله بلا واسطة واضح باعتبار العرف ؛ لأن اللزوم بينهما متقرر به حتى قيل : إنه الآن لا خفاء به أصلا ، وإن الخفاء المذكور فيه لعله في العرف القديم ، ولا عبرة بقول الأطباء إنما استلزم البله لدلالته على قوة الطبيعة البلغمية المستلزمة للبرودة المستلزمة للغفلة ؛ لأن تدقيقات الأطباء لا عبرة بها في التخاطب ، ويجوز أن يكون عرض القفا بعرض الوساد فتكون الكناية عن عرض القفا بعرض الوساد قريبة ، وعن البله بواسطة ولا محذور في ذلك ؛ فإنه يجوز أن تكون الكناية قريبة باعتبار ، بعيدة باعتبار آخر ، ولما لم يكن الخفاء في الكناية عن البله بعرض القفا من جهة الوسط لم تسم عرفا بعيدة ، وإن كان فيها خفاء ، فهي ولو كانت بعيدة باعتبار الفهم قريبة باعتبار نفي الوسائط ثم أشار إلى مقابل قوله إن لم يكن الانتقال بواسطة بقوله : (وإن كان) الانتقال من الكناية إلى المطلوب بتلك الكناية إما هو