ثم لما ذكر هذه التسامي وقد تقدم في أنواع الكناية ما يقتضي مناسبة كل من التسامي لمخصوص من تلك الأنواع أشار إلى تلك المناسبة فقال (والمناسب لل) كناية ال (عرضية) بضم العين وسكون الراء وهي التي تساق لموصوف غير مذكور ، ويشار بها لنسبة لذلك الموصوف تفهم تلك النسبة بالسياق (التعريض) أي : المناسب للعرضية تسميتها بالتعريض وإنما ناسب لوجود معنى التعريض فيها وهو أن يمال بالكلام إلى عرض ـ أي : جانب وناحية ـ يدل على المقصود وذلك الجانب الذي يفهم منه المقصود ، لا يخفى أنه هو محل استعمال الكلام من القرائن والسياق ، ويحتمل أن يقال التعريض هو أن يمال بالكلام إلى جانب يفهم بالسياق والقرائن وهو المقصود فاستعمال الكلام فيما يفهم المقصود من غير أن اللفظ مستعمل في ذلك المقصود هو التعريض يقال : عرضت لفلان أو بفلان إذا قلت قولا وأنت تعنيه ، ومعنى عرضت لفلان باللام أنك توصلت إلى نسبة شيء له بالتعريض الذي هو إفهام المقصود ، ومعنى عرضت به : أنه التبس تعريضك به ، ويحتمل أن تكون اللام والباء للتعليل أي أوقعت التعريض لأجل فلان ، أو بسبب فلان أي : أفهمت المقصود بلا استعمال اللفظ فيه والسبب في ذلك هو إظهار حال فلان ؛ فالتعريض مأخوذ من العرض الذي هو الجانب فإذا قلت قولا له معنى وأنت تريد معنى آخر فكأنك أشرت بالكلام إلى جانب هو معناه الأصلي وأنت تريد جانبا آخر هو المقصود الذي أفهم بالقرائن والسياق ، وذلك كما تقدم في قولنا : المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده فإنه تعريض بأن هذا المؤذي المخصوص ليس بمسلم ، وهو لم يذكر في التركيب ، وإنما خص اسم التعريض بما لم يذكر فيه الموصوف ، وإن كان يصدق على الكناية مطلقا أنه أطلق اللفظ الذي له جانب هو أصله وأريد به جانب آخر خلاف أصله ؛ لأن اختلاف الجانب فيما لم يذكر فيه الموصوف أظهر ، فخص باسم التعريض الذي هو إرادة جانب آخر ، وقولنا : فكأنك أشرت بأداة التشبيه ، ولم نقل : إنك أشرت بلا تشبيه للإيماء إلى أن الجانب هنا لا يراد به أصله الذي هو الحسي ، وإنما يراد به ما شبه به وهو المعنى ، وليس مرادنا أنه متى لم يذكر الموصوف كان تعريضا ؛ لصحة أن لا يذكر ، ويكون الكلام كناية كما في قولك