دون خطابهما معا ، حينئذ قلت الكناية بأن يطلق اللفظ لمعناه على أن يفهم منه لازمه بالانتقال أبلغ من الحقيقة التي هي خطابهما معا ، ثم قد يكون للعدول لذلك أسباب كأن يستنكف المتكلم أن يخاطب أحدهما في صورة لفظه ، أو يستحي ، أو يكره جوابه واعتذاره مثلا دون الآخر ، ولما كان هنا مظنة أن يقال : ليس هذا التعريض مجازا حقيقة ولا كناية ، بل هو على سبيلهما في إرادة غير المعنى الحقيقي فقط فكان كالمجاز ، أو إرادة المعنى الحقيقي وغيره ، فكان كأنه كناية ، وإنما يقال : ليس أحدهما ضرورة أن التجاوز في تاء المخاطب والألفاظ الأخرى عن أصلها وليس بين المخاطب وإنسان آخر لزوم مصحح للمجاز أو الكناية احتيج إلى تحقيق وجه كون هذا التعريض مجازا حقيقة ، وكناية حقيقة كما هو ظاهر العبارة بنحو ما أشرنا إليه في تقرير كلام المصنف.
وتحقيق ذلك أن مدلول التركيب والمقصود منه هو المعتبر للتجوز لا تاء المخاطب فقط كما تقدم ، وقولك : آذيتني فستعرف مدلوله والمقصود منه هو تهديد المخاطب بسبب الإيذاء ، وهذا المعنى يلزمه عرفا تهديد من كان مثل هذا المخاطب في الأذى ضرورة أن السبب متحد فيهما ، فإن قلت : التهديد اللفظي لا يستلزم تهديدا آخر لفظيا ، والتهديد المعنوي بأن يكون في اللفظ تخويف غير المخاطب لم يظهر بعد لزومه ، قلت : التهديد اللفظي كما قلت ، والمعنوي صريحة في المخاطب ، ولما كان أثره وهو خوف غير المخاطب حاصلا عن تخويف المخاطب وتخويف غير المخاطب الذي هو الأثر للخوف في ذلك الغير مستلزم لأثره ، ولم يوجد في اللفظ صار اللفظي الذي هو تخويف المخاطب باللفظ كمستلزمه لإيجاد أثره فإن مستلزم الأثر مستلزم للمؤثر ؛ على أن لنا أن نقول التهديد إدخال الخوف ، وهو موجود لغير المخاطب أثر سماع اللفظ ، وليس مدلولا له ، فكان بنفسه لازما بلا حاجة إلى توسط أثره فليفهم ، فصار المقصود من الكلام الذي هو تهديد المخاطب بالإيذاء له لازم هو تهديد غيره بسبب الإيذاء ، فإن استعمل هذا التركيب في اللازم الذي هو تهديد غير المخاطب فقط بقرينة كون المخاطب صديقا ـ مثلا كما تقدم ـ لعلاقة اللزوم الذي أوجبه الاشتراك في الإيذاء كان هذا الكلام الذي هو تعريض مجازا في المعنى المعرض به وإن استعمل في الملزوم