عصاة يستحقون العقوبة ، والغفران لمن يستحق العقوبة إنما يكون من العزيز أي القاهر الغالب الذي لا يعترض على أمره ، إذ العزيز مأخوذ من عز إذا غلب ، ثم لما ذكر أن المغفرة للمذنب إنما تكون من العزيز الغالب الذي لا اعتراض على أمره ناسب زيادة الحكيم دفعا لما يتوهم من أن العفو عن المستحق خال عن الحكمة ، فذكر الحكيم إشارة إلى أن فعله ذلك لحكمة وسر يراعى قهرا وعدلا ، فكأنه يقال : إن تغفر لهؤلاء المذنبين فأنت أهل لذلك ؛ إذ لا اعتراض عليك لعزتك ، ومع ذلك ففعلك لا يخلو عن حكمة ولو أخفيت عن الخلق.
(ويلحق بها) أي ويلحق بمراعاة النظير أمر نسبته للمراعاة كنسبة إيهام التضاد للطباق ، وذلك الأمر هو أن يجمع بين معنيين غير متناسبين في أنفسهما لعدم وجود شيء من أوجه التناسب من تقارن أو علية أو دلالة أو نحو ذلك ، ولكن عبر عنهما بلفظين بينهما تناسب باعتبار أصل استعمالهما في معنيهما ، ولو لم يقصد المعنيان المتناسبان في الحالة الراهنة وذلك (نحو) قوله تعالى (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ* وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ) (١) أما تناسب الشمس والقمر فظاهر ، وقد تقدم ولم يقصد التمثيل باعتبارهما فقط ، ولكن قصد التمثيل باعتبارهما مع النجم ، إذ النجم في أصل معناه المتبادر يناسب الشمس والقمر ؛ لأنه يقترن معهما في الخيال لكونه جسما نورانيا سماويا ففيه باعتبار معناه الأصلي المتبادر مناسبة ، وأما باعتبار المراد منه في هذا الاستعمال فلا يناسبهما ، إذ هو النبات الذي لا ساق له ، والشجر ما له ساق مما ينبت في الأرض والمراد بسجودهما انقيادهما لما يراد منهما ، فكأنهما خاضعان مستسلمان بالقول والفعل لما يراد منهما.
(و) لأجل أن معنى هذا القسم في الحالة الراهنة لا يناسب ، وإنما يناسب باعتبار أصل المعنى الغير المناسب (يسمى إيهام التناسب) لتخيل الوهم فيه المناسبة باعتبار ما يتبادر كما مر في إيهام التضاد ، ولذلك قلنا : إن نسبته من المراعاة كنسبة إيهام التضاد من المطابقة.
__________________
(١) الرحمن : ٥ ، ٦.