وإن أيسر الحر أيسر صاحبه (رأى خلتي) بفتح الخاء أي : فاقتي وحاجتي (من حيث يخفى مكانها) ورؤية الخلة : رؤية آثارها ، أو المراد العلم بها وكونه يراها مع أن صاحبها يخفي مكانها بالتجميل وإظهار آثار الغنى يدل على شدة الاهتمام بأمر الأصحاب حتى يطلع على أسرارهم في ضررهم قصدا لرفعتهم (ف) لما رأى خلتي (كانت قذى عينيه) أي كالقذى في عينيه وهو العود الواقع في العين وهو أعظم ما يهتم بإزالته ؛ لأنه واقع في أشرف الأعضاء (حتى تجلت) أي : لم تزل الفاقة كالقذى لديه حتى أجلاها أي : أذهبها ، فتجلت أي : ذهبت ، فقد وصفه بنهاية المروءة حتى إن فاقة أصحابه لديه بمنزلة العود الواقع في أشرف أعضائه حتى يزيلها ويكشفها فتكشفت بإصلاحها بالأيادي النافية لها ، وفي هذا الكلام من القوة ما لا يخفى بحرف الروي هو التاء وقد جيء قبله بلام مشددة مفتوحة في هذه الأبيات ، والإتيان بها ليس بلازم في السجع فكان من التزام ما لا يلزم ، فإنك لو ختمت قرائن فتجلت ، ومدت ، وحقت ، وانشقت ونحوها كان توافق فواصلها في التاء سجعا وإن اختلفت فيما قبلها ومن أمثلة التزام ما لا يلتزم في الشعر قوله :
يقولون في البستان للعين راحة |
وفي الخمر والماء الذي غير آسن (١) |
|
إذا شئت أن تلقى المحاسن كلها |
ففي وجه من تهوى جميع المحاسن |
ثم التزام ما لا يلزم إما في الحرف والحركة معا ـ كالمثالين ـ وإما في الحرف فقط كما لو ختمت بيتا بتمر وآخر بنمر وإما في الحركة فقط بأن تكون متحدة مع اختلاف الحرف كقوله :
لما تؤذن الدنيا به من صروفها |
يكون بكاء الطفل ساعة يولد (٢) |
|
وإلا فما يبكيه منها وإنها |
لأوسع مما كان فيه وأرغد |
__________________
(١) البيتان للمعرى ، فى الإيضاح ص (٢٣٦).
(٢) البيتان لابن الرومى.