يحاط بهم فبذلوا مالا جزيلا لعبد النبي بن سعيد حتى أرخى قليلا من جانبه فنفروا إلى جهة رداع واستولوا عليها من غير قتال ، ثم تقدموا إلى صنعاء ، وأما السلطان عامر ، فإنه لما خرج من المقرانة توجه إلى الخلقه (١) فتبعه طائفة من المصريين ، فهرب من الخلقة إلى قرب بلد يافع وألقى الله الرعب في قلبه منهم حتى بلغني أنه رأى فارسا واحدا من أصحابه يركض فظنّه من التّرك أو أنه يطرد هاربا منهم ، فهرب من ذلك الموضع ، وطلب من يافع بعض حصونهم يكنّ فيه نفسه وحرمه ، فلم يساعدوه وقاسى من الذّل والهوان هو وأهله ما لم يقاسه إنسان ، فسبحان المذّل بعد العزة والمقل بعد الكثرة [ولما بلغه ما حصل على المصريين في الغفره استفزه الفرح وطمع في الظفر بهم](٢) فسار من الخلقة ، ودخل المقرانه ، وترك بها ابنه أحمد ، وخرج مسرعا بباقي الجند والعسكر ملاحقا للمصريين إلى صنعاء ومن معه أخوه الشيخ عبد الملك ، وابنه أبو بكر وابن أخيه عامر بن عبد الملك ، وبلغني أن أخاه عبد الملك عذله عن ملاحقة المصريون إلى صنعاء ، وقال له : أنت تعرف عداوة الزيدية ، فتقع بين عدوين المصري والزيدي فلم يصغ إلى كلامه ، ونسبه إلى الجبن والذل منهم ليقضي الله أمرا كان مفعولا ، فسار إلى أن وصل قريبا من صنعاء بحيث يراها والمصريين يومئذ محاصرين لها ولأهلها ، ولم يقدروا منها على شيء ، فلما علم الجند المصري بوصول السلطان ، قصدوه قبل أن يحط الأحمال ، فكانت بينهم وبين العسكر السلطاني وقعة قتل فيها أخو السلطان عبد الملك أصابته جليلة في وجهه ، وعاده لم يلبس للقتال فسقط ميتا وقتل معه أكثر عبيده وعسكره ، وذلك يوم الخميس رابع وعشرين ربيع الأول ، فلما علم السلطان ذلك عدل إلى جهة جبل نقم بعد أن أخذه شبه الوله لفقد أخيه ، فلاحقه الجند المصري وحصروه بالجبل فبات به ثم انحدر منه صبح
__________________
(١) الخلقة بالفتح بلدة بيافع سرو حمير تعرف اليوم بخلاف وهو حصن وقرية قرة العيون : ٤٦٨.
(٢) ساقط من الأصل وأثبتناه من القلائد ليتضح المعنى.