السرّ وصرف الكركي في شوّال ، وكانت هذه ولاية ثالثة ، فباشر وتمكن هذه المرّة من سلطان تمكنا زائدا إلى أن سافر السلطان إلى البلاد الشامية في سنة ست وتسعين ، فمات بدمشق يوم الثلاثاء لعشرين من شوّال سنة ست وتسعين وسبعمائة ، ودفن بترتبهم بسفح قاسيون ، ومات أخوه حمزة بدمشق أيضا في أوائل المحرم سنة سبع وتسعين وسبعمائة ودفن بها ، وانقطع بموتهما هذا البيت فلم يبق من بعدهما إلّا كما قال الله سبحانه ، (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا). ومن شعر البدر محمد بن فضل الله ما كتبه عنوانا لكتاب الملك الظاهر برقوق جوابا عن كتاب تمرلنك الوارد إلى مصر في سنة ست وتسعين وسبعمائة وعنوانه :
سلام وإهداء السلام من البعد |
|
دليل على حفظ المودّة والعهد |
فافتتح البدر العنوان بقوله :
طويل حياة المرء كاليوم في العدّ |
|
فخبرته أن لا يزيد على العدّ |
فلا بدّ من نقص لكل زيادة |
|
لأنّ شديد البطش يقتص للعبد |
وكتب فيه من شعره أيضا جوابا عن كثرة تهديد تمرلنك وافتخاره :
السيف والرمح والنشاب قد علمت منا الحروب فسل منها تلبيكا
إذ التقينا تجد هذا مشاهدة |
|
في الحرب فأثبت فأمر الله آتيكا |
بخدمة الحرمين الله شرّفنا |
|
فضلا وملّكنا الأمصار تمليكا |
وبالجميل وحلو النصر عوّدنا |
|
خذ التواريخ واقرأها فتنبيكا |
والأنبياء لنا الركن الشديد وكم |
|
بجاههم من عدوّ راح مفكوكا |
ومن يكن ربه الفتاح ناصره |
|
ممن يخاف وهذا القول يكفيكا |
وقال :
إذا المرء لم يعرف قبيح خطيئة |
|
ولا الذنب منه مع عظيم بليته |
فذلك عين الجهل منه مع الخطا |
|
وسوف يرى عقباه عند منيته |
وليس يجازي المرء إلا بفعله |
|
وما يرجع الصياد إلا بنيته |
وهذه الدار كانت موجودة قبل بني فضل الله ، وتعرف بدار بيبرس ، فعمر فيها محيي الدين وابنه علاء الدين ، وكانت من أبهج دور القاهرة وأعظمها ، وما زالت بيد أولاد بدر الدين وأخيه عز الدين حمزة إلى أن تغلب الأمير جمال الدين على أموال الخلق ، فأخذ ابن أخيه الأمير شهاب الدين أحمد الحاجب المعروف بسيدي أحمد بن أخت جمال الدين دار بني فضل الله منهم ، كما أخذ خاله دور الناس وأوقافهم وعوض أولاد ابن فضل الله عنها ، وغيّر كثيرا من معالمها ، وشرع في الازدياد من العمارة اقتداء بخاله ، فأخذ دورا كانت بجوار