للسجلات والإنشاء ، وديوانا للمستغلّات (١) ، وأقام على هذه الدواوين زمانا ، وجعل في داره خزانة للكسوة وخزانة للمال وخزانة للدفاتر وخزانة للأشربة ، وعمل على كلّ خزانة ناظرا ، وكان يجلس عنده في كلّ يوم الأطبّاء لينظروا في حال الغلمان ومن يحتاج منهم إلى علاج أو إعطاء دواء ، ورتّب في داره الكتّاب والأطبّاء يقفون بين يديه ، وجعل فيها العلماء والأدباء والشعراء والفقهاء والمتكلّمين وأرباب الصنائع ، لكلّ طائفة مكان مفرد ، وأجرى على كلّ واحد منهم الأرزاق ، وألّف كتبا في الفقه والقراءات ، ونصب له مجلسا في داره يحضره في كلّ يوم ثلاثاء ، ويحضر إليه الفقهاء والمتكلّمون وأهل الجدل يتناظرون بين يديه. من تأليفه : كتاب في القراءات وكتاب في الأديان ـ وهو كتاب الفقه واختصره ـ وكتاب في آداب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وكتاب في علم الأبدان وصلاحها في ألف ورقة ، وكتاب في الفقه ممّا سمعه من الإمام المعزّ لدين الله والإمام العزيز (٢) بالله. وكان يجلس في يوم الجمعة أيضا ويقرأ مصنّفاته على الناس بنفسه ، وفي حضرته القضاة والفقهاء والقرّاء وأصحاب الحديث والنّحاة والشهود ، فإذا فرغ من قراءة ما يقرأ من مصنّفاته قام الشعراء ينشدون مدائحهم فيه. وكان في داره عدّة كتّاب ينسخون القرآن الكريم والفقه والطبّ وكتب الأدب وغيرها من العلوم ، فإذا فرغوا من نسخها قوبلت وضبطت ، وجعل في داره قرّاء وأئمة يصلّون في مسجد داره ، وأقام بداره عدّة مطابخ لنفسه ولجلسائه ولغلمانه وحواشيه ، وكان ينصب مائدة لخاصّته يأكل هو وخواصّه من أهل العلم ووجوه كتّابه وخواصّ غلمانه ومن يستدعيه عليها ، وينصب عدّة موائد لبقيّة الحجّاب والكتّاب والحواشي. وكان إذا جلس يقرأ كتابه في الفقه الذي سمعه من المعزّ والعزيز لا يمنع أحد من مجلسه ، فيجتمع عنده الخاص والعامّ ، ورتّب عند العزيز بالله جماعة لا يخاطبون إلا بالقائد ، وأنشأ عدّة مساجد ومساكن بمصر والقاهرة ، وكان يقيم في شهر رمضان الأطعمة للفقهاء ووجوه الناس وأهل الستر والتعفّف ولجماعة كثيرة من الفقراء ، وكان إذا فرغ الفقهاء والوجوه من الأكل معه يطاف عليهم بالطّيب. ومرض مرّة من علّة أصابت يده ، فقال فيه عبد الله بن محمد بن أبي الجرع :
يد الوزير هي الدنيا فإن ألمت |
|
رأيت في كلّ شيء ذلك الألما |
تأمّل الملك وانظر فرط علّته |
|
من أجله واسأل القرطاس والقلما |
وشاهد البيض في الأغماد حائمة |
|
إلى العدا وكثيرا ما روين دما |
وأنفس الناس بالشكوى قد اتّصلت |
|
كأنّما أشعرت من أجله سقما |
هل ينهض المجد إلا أن يؤيّده |
|
ساق يقدّم في إنهاضه قدما |
لولا العزيز وآراء الوزير معا |
|
تحيّفتنا خطوب تشعب الأمما |
__________________
(١) ديوان المستغلات : ومهمته النظر في مصالح أهل الذمّة وجباية الأموال منهم.
(٢) الخليفتان الفاطميان : المعزّ لدين الله الفاطمي ، وابنه العزيز بالله نزار أبو منصور.