فقل لهذا وهذا أنتما شرف |
|
لا أوهن الله ركنيه ولا انهدما |
كلاكما لم يزل في الصالحات يدا |
|
مبسوطة ولسانا ناطقا وفما |
ولا أصابكما أحداث دهركما |
|
ولا طوى لكما ما عشتما علما |
ولا انمحت عنك يا مولاي عافية |
|
فقد محوت بما أوليتني العدما |
وكان الناس يفتون بكتابه في الفقه ، ودرّس فيه الفقهاء بجامع مصر ، وأجرى العزيز بالله لجماعة فقهاء يحضرون مجلس الوزير أرزاقا في كلّ شهر تكفيهم ، وكان للوزير مجلس في داره للنظر في رقاع المرافعين والمتظلّمين ، ويوقع بيده في الرقاع ، ويخاطب الخصوم بنفسه. وأراد العزيز بالله أن يسافر إلى الشام في زمن ابتداء الفاكهة ، فأمر الوزير أن يأخذ الأهبة لذلك فقال : يا مولاي ؛ لكلّ سفر أهبة على مقداره ، فما الغرض من السفر؟ فقال : إنّي أريد التفرّج بدمشق لأكل القراصيا (١). فقال : السمع والطاعة. وخرج فاستدعى جميع أرباب الحمام وسألهم عمّا بدمشق من طيور مصر ، وأسماء من هي عنده ، وكانت مائة ونيّفا وعشرين طائرا ، ثمّ التمس من طيور دمشق التي هي في مصر عدّة ، فأحضرها وكتب إلى نائبه بدمشق يقول : إنّ بدمشق كذا وكذا طائرا ، وعرّفه أسماء من هي عنده ، وأمره بإحضارها إليه جميعها ، وأن يصيب من القراصيا في كلّ كاغدة (٢) ، ويشدّها على كلّ طائر منها ويسرّحها في يوم واحد ، فلم يمض إلا ثلاثة أيّام أو أربعة حتّى وصلت الحمائم كلّها ولم يتأخر منها إلا نحو عشر ، وعلى جناحها القراصيا ، فاستخرجها من الكواغد ، وعملها في طبق من ذهب ، وغطّاها وبعث بها إلى العزيز بالله مع خادم ، وركب إليه وقدّم ذلك وقال : يا أمير المؤمنين قد حضّرنا قبالك القراصيا ههنا ، فإن أغناك هذا القدر وإلا استدعينا شيئا آخر ، فعجب العزيز بالوزير وقال : مثلك يخدم الملوك يا وزير ؛ واتفق أنه سابق العزيز بين الطيور ، فسبق طائر الوزير يعقوب طائر العزيز ، فشقّ ذلك على العزيز ، ووجد أعداء الوزير سبيلا إلى الطعن فيه ، فكتبوا إلى العزيز أنه قد اختار من كلّ صنف أعلاه ولم يترك لأمير المؤمنين إلا أدناه حتّى الحمام ، فبلغ ذلك الوزير فكتب إلى العزيز :
قل لأمير المؤمنين الذي |
|
له العلى والمثل الثاقب |
طائرك السابق لكنّه |
|
لم يأت إلّا وله حاجب |
فأعجب العزيز ذلك وأعرض عما وشي به ، ولم يزل على حال رفيعة وكلمة نافذة إلى أن ابتدأت به علّته يوم الأحد الحادي والعشرين من شوّال سنة ثمانين وثلثمائة ، ونزل إليه العزيز بالله يعوده ، وقال له : وددت أنّك تباع فابتاعك بمالي أو تفدى فأفديك بولدي ، فهل من حاجة توصي بها يا يعقوب؟ فبكى وقبّل يده وقال : أمّا فيما يخصّني فأنت
__________________
(١) القراصيا : شجرة مثمرة من فصيلة الورديات ، ثمارها صغيرة ضاربة إلى السواد. / المنجد /.
(٢) الكاغد : القرطاس.