بدمشق جماعة من أهل الدّعارة والفساد وحاربوا عمّال السلطان واشتدّ أمرهم ، وكان كبيرهم يعرف بابن الماورد ، فلمّا بلغهم خبر هفتكين بعثوا إليه من دمشق إلى حمص يستدعونه ، ووعدوه بالقيام معه على عساكر المعزّ وإخراجهم من دمشق ليلي عليهم ، فوقع ذلك منه بالموافقة ، وسار حتّى نزل بثنية العقاب (١) لأيام بقيت من شعبان سنة أربع وستّين وثلثمائة فبلغ عسكر المعزّ خبر الفرنج وأنّهم قد قصدوا طرابلس ، فساروا بأجمعهم إلى لقاء العدوّ ، ونزل هفتكين على دمشق من غير حرب ، فأقام أياما ثم سار يريد محاربة ظالم ، ففرّ منه ، ودخل هفتكين بعلبكّ ، فطرقه العدوّ من الروم والفرنج وانتهبوا بعلبك وأحرقوا ، وذلك في شهر رمضان ، وانتشروا في أعمال بعلبك والبقاع يقتلون ويأسرون ويحرقون ، وقصدوا دمشق وقد التحق بها هفتكين ، فخرج إليهم أهل دمشق وسألوهم الكفّ عن البلد ، والتزموا بمال ، فخرج إليهم هفتكين وأهدى إليهم ، وتكلّم معهم في أنه لا يستطيع جباية المال لقوّة ابن الماورد وأصحابه ، وأمر ملك الروم به ، فقبض عليه وقيّده ، وعاد فجبى المال من دمشق بالعنف ، وحمل إلى ملك الروم ثلاثين ألف دينار ، ورحل إلى بيروت ثمّ إلى طرابلس ، فتمكن هفتكين من دمشق ، وأقام بها الدعوة لأبي بكر عبد الكريم الطائع بن المطيع العباسيّ ، وسيّر إلى العرب السرايا ، فظفرت وعادت إليه بعده بمن أسرته من رجال العرب فقتلهم صبرا.
وكان قد تخوّف من المعزّ ، فكاتب (٢) القرامطة يستدعيهم من الأحساء للقدوم عليه لمحاربة عساكر المعزّ ، وما زال بهم حتّى وافوا دمشق في سنة خمس وستّين ، ونزلوا على ظاهرها ومعهم كثير من أصحاب هفتكين الذين كانوا قد تشتتوا في البلاد ، فقوي بهم ، ولقي القرامطة (٣) ، وحمل إليهم وسرّ بهم ، فأقاموا على دمشق أياما ، ثمّ رحلوا نحو الرّملة وبها أبو محمود فلحق بيافا ، ونزل القرامطة الرملة ونصبوا القتال على يافا حتّى كلّ الفريقان وسئموا جميعا من طول الحرب ، وسار هفتكين على الساحل ونزل صيدا ، وبها ظالم بن مرهوب العقيليّ وابن الشيخ من قبل المعزّ ، فقاتلهم قتالا شديدا انهزم منه ظالم إلى صور ، وقتل بين الفريقين نحو أربعة آلاف رجل ، فقطع أيدي القتلى من عسكر المعزّ وسيّرها إلى دمشق ، فطيف بها ، ثمّ سار عن صيدا يريد عكّا وبها عسكر المعزّ ، وكان قد مات المعزّ في ربيع الآخر سنة ٣٦٥ ه ، وقام من بعده ابنه العزيز بالله ، وسيّر جوهرا القائد في عسكر عظيم إلى قتال هفتكين والقرامطة ، فبلغ ذلك القرامطة وهم على الرملة ووصل الخبر بمسيره إلى هفتكين وهو على عكّا ، فخاف القرامطة وفرّوا عنها ، فنزلها جوهر ، وسار من القرامطة إلى
__________________
(١) في معجم البلدان : ثنية العقاب.
(٢) في الكامل لابن الأثير ٧ / ٦٣ : بإشارة من أهل دمشق.
(٣) في الكامل لابن الأثير ٧ / ٦٣ : فلما قرب القرمطي من دمشق رحل جوهر ـ قائد جيش العزيز ـ عن دمشق.