الأحساء التي هي بلادهم جماعة وتأخّر عدّة ، وسار هفتكين من عكّا إلى طبريّة وقد علم بمسير القرامطة وتأخّر بعضهم ، فاجتمع بهم في طبرية واستعدّ للقاء جوهر ، وجمع الأقوات من بلاد حوران والثنية ، وأدخلها إلى دمشق وسار إليها ، فتحصن بها ، ونزل جوهر على ظاهر دمشق لثمان بقين من ذي القعدة فبنى على معسكره سورا ، وحفر خندقا عظيما ، وجعل له أبوابا ، وجمع هفتكين الناس للقتال.
وكان قد بقي بعد ابن الماورد رجل يعرف بقسّام التراب ، وصار في عدّة وافرة من الدعّار ، فأعانه هفتكين وقوّاه وأمدّه بالسلاح وغيره ، ووقعت بينهم وبين جوهر حروب عظيمة طويلة إلى يوم الحادي عشر من ربيع الأوّل سنة ستّ وستين وثلاثمائة ، فاختلّ أمر هفتكين وهمّ بالفرار ، ثمّ إنه استظهر ووردت الأخبار بقدوم الحسن بن أحمد القرمطيّ إلى دمشق ، فطلب جوهر الصلح (١) على أن يرحل عن دمشق من غير أن يتبعه أحد ، وذلك أنه رأى أمواله قد قلّت وهلك كثير ممّا كان في عسكره حتّى صار أكثر عسكره رجّالة وأعوزهم العلف ، وخشي قدوم القرامطة ، فأجابه هفتكين ، وقد عظم فرحه واشتدّ سروره ، فرحل في ثالث جمادى الأولى وجدّ في المسير وقد قرب القرامطة ؛ فأناخ بطبريّة ، فبلغ ذلك القرمطي فقصده ، وقد سار عنها إلى الرملة فبعث إليه بسرية كانت لها مع جوهر وقعة قتل فيها جماعة من العرب ، وأدركه القرمطي ، وسار في أثره هفتكين فمات الحسن بن أحمد القرمطي بالرملة ، وقام من بعده بأمر القرامطة ابن عمّه جعفر ، ففسد ما بينه وبين هفتكين ، ورجع عن الرملة إلى الأحساء ، وناصب هفتكين القتال ، وألح فيه على جوهر حتّى انهزم عنه وسار إلى عسقلان وقد غنم هفتكين ممّا كان معه شيئا يجلّ عن الوصف ، ونزل على البلد محاصرا لها. وبلغ ذلك العزيز ، فاستعدّ للمسير إلى بلاد الشام ، فلما طال الأمر على جوهر راسل هفتكين حتّى يقرّر الصلح على مال يحمله إليه وأن يخرج من تحت سيف هفتكين ، فعلق سيفه على باب عسقلان ، وخرج جوهر ومن معه من تحته وساروا إلى القاهرة ، فوجد العزيز قد برز يريد المسير ، فسار معه ، وكان مدّة قتال هفتكين لجوهر على ظاهر الرملة وفي عسقلان سبعة عشر شهرا. وسار العزيز بالله حتّى نزل الرملة ، وكان هفتكين بطبريّة ، فسار إلى لقاء العزيز ومعه أبو إسحاق وأبو طاهر أخو عز الدولة ابن بختيار بن أحمد بن بويه وأبو اللحاد مر زبان (٢) عز الدولة ابن بختيار بن عز الدولة ابن بويه ، فحاربوه ، فلم يكن غير ساعة حتّى هزمت عساكر العزيز عساكر هفتكين وملكوه في يوم الخميس لسبع بقين من المحرّم سنة ثمان وستّين وثلثمائة ، واستأمن أبو إسحاق ومرزبان بن بختيار وقتل أبو طاهر أخو عز الدولة ابن بختيار ، وأخذ أكثر أصحابه أسرى ، وطلب هفتكين في القتلى فلم يوجد.
__________________
(١) انظر الكامل لابن الأثير ٧ / ٦٤.
(٢) في تاريخ اليعقوبي الجزء الأول : المرزبان : رئيس البلد ، وفي الكامل لابن الأثير ٧ / ٨٨ : كبير الفلاحين.