الشارع المسلوك منه اليوم إلى القاهرة ، حافا بالقريوص الذي عليه البستان المعروف بابن كيسان مادا ، وآثاره اليوم مادة باقية إلى الحوض المعروف بسيف الدين حسين صار ابن رزيك ، والبستان المعروف بالمشتهى ، وفيه آثار المنظرة التي كانت معدّة لجلوس الخليفة لفتح الخليج من هذا الطريق ، ولم تكن الآدر المبنية على الخليج ، ولا شيء منها هناك ، وما برح هذا الخليج منتزها لأهل القاهرة يعبرون فيه بالمراكب للنزهة ، إلى أن حفر الملك الناصر محمد بن قلاوون الخليج المعروف الآن بالخليج الناصريّ.
قال المسبحيّ : وفي هذا الشهر ، يعني المحرّم ، سنة إحدى وأربعمائة ، منع الحاكم بأمر الله من الركوب في القوارب إلى القاهرة في الخليج ، وشدّد في المنع ، وسدّت أبواب القاهرة التي يتطرّق منها إلى الخليج ، وأبواب الطاقات من الدور التي تشرف على الخليج ، وكذلك أبواب الدور والخوخ التي على الخليج.
قال القاضي الفاضل في متجدّدات حوادث سنة أربع وتسعين وخمسمائة : ونهى عن ركوب المتفرّجين في المراكب في الخليج ، وعن إظهار المنكر ، وعن ركوب النساء مع الرجال ، وعلّق جماعة من رؤساء المراكب بأيديهم. قال : وفي يوم الأربعاء تاسع عشر رمضان ، ظهر في هذه المدّة من المنكرات ما لم يعهد في مصر في وقت من الأوقات ، ومن الفواحش ما خرج من الدور إلى الطرقات ، وجرى الماء في الخليج بنعمة الله تعالى بعد القنوط ، ووقوف الزيادة في الذراع السادس عشر ، فركب أهل الخلاعة وذوو البطالة في مراكب في نهار شهر رمضان ومعهم النساء الفواجر ، وبأيديهنّ المزاهر يضربن بها ، وتسمع أصواتهنّ ووجوههنّ مكشوفة ، وحرفاؤهنّ من الرجال معهنّ في المراكب لا يمنعون عنهنّ الأيدي ولا الأبصار ، ولا يخافون من أمير ولا مأمور شيئا من أسباب الإنكار ، وتوقع أهل المراقبة ، ما يتلو هذا الخطب من المعاقبة.
وقال جامع سيرة الناصر محمد بن قلاوون : وفي سنة ست وسبعمائة ، رسم الأميران بيبرس وسلار بمنع الشخاتير والمراكب من دخول الخليج الحاكميّ والتفرّج فيه ، بسبب ما يحصل من الفساد والتظاهر بالمنكرات اللاتي تجمع الخمر آلات الملاهي ، والنساء المكشوفات الوجوه المتزينات بأفخر زينة ، من كوافي الزركش والقنابيز والحلي العظيم ، ويصرف على ذلك الأموال الكثيرة ، ويقتل فيه جماعة عديدة ، ورسم الأميران المذكوران لمتولي الصناعة بمصر ، أن يمنع المراكب من دخول الخليج المذكور إلّا ما كان فيه غلة أو متجرا وما ناسب ذلك ، فكان هذا معدودا من حسناتهما ، ومسطورا في صحائفهما.
قال مؤلفه رحمهالله تعالى : أخبرني شيخ معمر ولد بعد سنة سبعمائة يعرف بمحمد المسعودي ، أنه أدرك هذا الخليج والمراكب تمرّ فيه بالناس للنزهة ، وأنها كانت تعبر من تحت باب القنطرة غادية ورائحة ، والآن لا يمرّ بهذا الخليج من المراكب إلّا ما يحمل متاعا