من متجر أو نحوه ، وصارت مراكب النزهة والتفرج إنما تمرّ في الخليج الناصريّ فقط ، وعلى هذا الخليج الكبير في زماننا هذا أربع عشرة قنطرة ، يأتي ذكرها إن شاء الله تعالى في القناطر ، وحافتا هذا الخليج الآن معمورتان بالدور ، وسيأتي إن شاء الله ذكر ذلك في مواضعه من هذا الكتاب.
وقال ابن سعد : وفيها خليج لا يزال يضعف بين خضرتها حتى يصير كما قال الرصافي :
ما زالت الأنحاء تأخذه |
|
حتى غدا كذؤابة النجم |
وقلت في نور الكتان الذي على جانبي هذا الخليج :
انظر إلى النهر والكتان يرمقه |
|
من جانبيه بأجفان لها حدق |
قد سلّ سيفا عليه للصبا شطب |
|
فقابلته بأحداق بها أرق |
وأصبحت في يد الأرواح تنسجها |
|
حتى غدت حلقا من فوقها حلق |
فقم نزرها ووجه الأرض متضح |
|
أو عند صفرته إن كنت تغتبق |
قال وقد ذكر مصر ولا ينكر فيها إظهار أواني الخمر ولا آلات الطرب ذوات الأوتار ، ولا تبرّج النساء العواهر ، ولا غير ذلك مما ينكر في غيرها ، وقد دخلت في الخليج الذي بين القاهرة ومصر ، ومعظم عمارته فيما يلي القاهرة ، فرأيت فيه من ذلك العجائب ، وربما وقع فيه قتل بسبب السكر ، فيمنع فيه الشرب ، وذلك في بعض الأحيان ، وهو ضيق وعليه من الجهتين مناظر كثيرة العمارة بعالم الطرب والتحكم والمجانة ، حتى أن المحتشمين والرؤساء لا يجيزون العبور به في مركب ، وللسرج في جانبيه بالليل منظر فتّان وكثيرا ما يتفرّج فيه أهل الستر ، وفي ذلك أقول :
لا تركبنّ في خليج مصر |
|
إلّا إذا يسدل الظلام |
فقد علمت الذي عليه |
|
من عالم كلهم طغام |
صفان للحرب قد أظلّا |
|
سلاح ما بينهم كلام |
يا سيدي لا تسر إليه |
|
إلّا إذا هوّم النيام |
والليل ستر على التصابي |
|
عليه من فضله لثام |
والسرج قد بدّدت عليه |
|
منها دنانير لا ترام |
وهو قد امتدّ والمباني |
|
عليه في خدمة قيام |
لله كم دوحة جنينا |
|
هناك أثمارها الآثام |
وقال ابن عبد الظاهر عن مختصر تاريخ ابن المأمون ، أنّ أوّل من رتب حفر خليج القاهرة على الناس المأمون بن البطائحيّ ، وكذلك على أصحاب البساتين في دولة الأفضل ،