وقال :
يا نزهة الرصد المصري قد جمعت |
|
من كلّ شيء حلا في جانب الوادي |
فذا غدير وذا روض وذا جبل |
|
والضب والنون والملاح والحادي |
وقال ابراهيم بن الرفيق في تاريخه : حدّثني محمد الكهينيّ ، وكان أديبا فاضلا ، قد سافر ورأى بلدان المشرق قال : ما رأيت قطّ أجمل من أيام النوروز ، والغيطاس ، والميلاد ، والمهرجان ، وعيد الشعانين ، وغير ذلك من أيام اللهو التي كانوا يسخون فيها بأموالهم ، رغبة في القصف والعزف ، وذلك أنه لا يبقى صغير ولا كبير إلّا خرج إلى بركة الحبش متنزها ، فيضربون عليها المضارب الجليلة ، والسرادقات والقباب ، والشراعات ، ويخرجون بالأهل والولد ، ومنهم من يخرج بالقينات المسمعات المماليك والمحرّرات ، فيأكلون ويشربون ويسمعون ويتفكهون وينعمون ، فإذا جاء الليل أمر الأمير تميم بن المعز مائتي فارس من عبيده بالعسس عليهم في كل ليلة ، إلى أن يقضوا من اللهو والنزهة إربهم وينصرفوا فيسكرون وينامون كما ينام الإنسان في بيته ، ولا يضيع لأحد منهم ما قيمته حبة واحدة ، ويركب الأمير تميم في عشاري ويتبعه أربعة زواريق مملوءة فاكهة وطعاما ومشروبا ، فإن كانت الليالي مقمرة ، وإلّا كان معه من الشموع ما يعيد الليل نهارا ، فإذا مرج على طائفة واستحسن من غنائهم صوتا ، أمرهم بإعادته وسألهم عما عز عليهم ، فيأمر لهم به ، ويأمر لمن يغني لهم. وينتقل منهم إلى غيرهم بمثل هذا الفعل عامّة ليله ، ثم ينصرف إلى قصوره وبساتينه التي على هذه البركة ، فلا يزال على هذه الحال حتى تنقضي هذه الأيام ، ويتفرّق الناس.
وقال محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي الحنفيّ ، وتوفي بدمشق سنة إحدى وخمسين وستمائة ، يصف بركة الحبش في أيام الربيع :
إذا زيّن الحسناء قرط فهذه |
|
يزينها من كلّ ناحية قرط |
ترقرق فيها أدمع الطلّ غدوة |
|
فقلت لآل قد تضمنها قرط |
وقال ابن سعيد في كتاب المغرب : وخرجت مرّة حيث بركة الحبش التي يقول فيها أبو الصلت أمية بن عبد العزيز الأندلسيّ عفا الله عنه :
لله يومي ببركة الحبش |
|
والأفق بين الضياء والغبش |
والنيل تحت الرياح مضطرب |
|
كصارم في يمين مرتعش |
وعاينت من هذه البركة أيام فيض النيل عليها أبهج منظر ، ثم زرتها أيام غاص الماء ، وبقيت فيها مقطعات بين خضر من القرط والكتان تفتن الناظر ، وفيها أقول :