درهم ، فشكا الناس ذلك إلى الأمير أرغون العلائيّ والي السلطان الملك الكامل شعبان بن الملك الناصر محمد بن قلاون ، فطلب المهندسين ورئيس البحر ، وركب السلطان بأمرائه من القلعة إلى شاطيء النيل ، فلم يتهيأ عمل لما كان من ابتداء زيادة النيل ، إلّا أنّ الرأي اقتضى نقل التراب والشقاف من مطابخ السكّر التي كانت بمصر وإلقاء ذلك بالروضة. لعمل الجسر ، فنقل شيء عظيم من التراب في المراكب إلى الروضة ، وعمل جسر من الجزيرة إلى نحو المقياس ، في طول نحو ثلثي ما بينهما من المسافة ، فعاد الماء إلى جهة مصر عودا يسيرا وعجزوا عن إيصال الجسر إلى المقياس لقلة التراب ، وقويت الزيادة حتى علا الماء الجسر بأسره ، واتفق قتل الملك الكامل بعد ذلك ، وسلطنة أخيه الملك المظفر حاجي بن محمد بن قلاون أول جمادى الآخرة سنة سبع وأربعين وسبعمائة.
فلما دخلت سنة ثمان وأربعين ، وقف جماعة من الناس للسلطان في أمر البحر واستغاثوا من بعد الماء وانكشاف الأراضي من تحت البيوت ، وغلاء الماء في المدينة ، فأمر بالكشف عن ذلك ، فنزل المهندسون واتفقوا على إقامة جسر ليرجع الماء عن برّ الجيزة إلى برّ مصر والقاهرة ، وكتبوا تقدير ما يصرف فيه مائة وعشرين ألف درهم فضة ، فأمر بجبايتها من أرباب الأملاك التي على شط النيل ، وأن يتولى القاضي ضياء الدين يوسف بن أبي بكر المحتسب جبايتها واستخراجها ، فقيست الدور وأخذ عن كل ذراع من أراضيها خمسة عشر درهما ، وتولى قياسها أيضا المحتسب ووالي الصناعة ، فبلغ قياسها سبعة آلاف وستمائة ذراع ، وجبي نحو السبعين ألف درهم ، فاتفق عزل الضيّاء عن الحسبة ، ونظر المارستان المنصوريّ ، ونظر الجوالي ، وولاية ابن الأطروش مكانه ، ثم قتل الملك المظفر وولاية أخيه الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاون سلطنة مصر بعده ، في شهر رمضان منها ، فلما كانت في سنة تسع وأربعين وسبعمائة وقع الاهتمام بعمل الجسر ، فنزل الأمير بلبغا أروس نائب السلطنة ، والأمير منجك الاستادار ، وكان قد عزل من الوزارة ، والأمير قيلاي الحاجب ، وجماعة من الأمراء ومعهم عدّة من المهندسين إلى البحر في الحراريق ، والمراكب إلى برّ الجيزة ، وقاسوا ما بين برّ الجيزة والمقياس ، وكتب تقدير المصروف نحو المائة والخمسين ألف درهم ، وألف خشبة من الخشب ، وخمسمائة صار ، وألف حجر في طول ذراعين وعرض ذراعين ، وخمسة آلاف شنفة ، وغير ذلك من أشياء كثيرة.
فركب النائب والوزير والأمير شيخو والأمراء إلى الجيزة ، وأعادوا النظر في أمر الجسر ومعهم أرباب الخبرة ، فالتزم الأمير منجك بعمل الجسر ، وأن يتولى جباية المصروف عليه من سائر الأمراء والأجناد والكتاب وأرباب الأملاك ، بحيث أنه لا يبقى أحد حتى يؤخذ منه ، فرسم لكتاب الجيش بكتابة أسماء الجند ، وقرّر على كلّ مائة دينار من الإقطاعات درهم واحد ، وعلى كلّ أمير من خمسة آلاف درهم إلى أربعة آلاف درهم ، وعلى كلّ كاتب أمير ألف ، مائتا درهم ، وكاتب أمير الطبلخانات مائة درهم ، وعلى كلّ حانوت من حوانيت