وكان للسلطان برّ وإحسان ، وفيه تواضع ، ولقد مات عنده رجل فقير فشهد جنازته وحمل نعشه على عنقه ، وكان يحفظ القرآن العزيز العظيم والهداية في فقه الحنفية ، ويجيد علم المعقول ، ويكتب خطا حسنا ، ولذته في الرياضة وتأديب النفس ، ويقول الشعر ويباحث العلماء ويؤاخذ الشعراء ويأخذ بأطراف الكلام على كلّ من حضر على كثرة العلماء عنده ، والعلماء تحضر عنده وتفطر في رمضان معه بتعيين صدر جهان لهم في كلّ ليلة ، وكان لا يترخص في محذور ولا يقرّ على منكر ولا يتجاسر أحد في بلاده أن يتظاهر بمحرّم ، وكان يشدّد في الخمر ويبالغ في العقوبة على من يتعاطاه من المقرّبين منه ، وعاقب بعض أكابر الخانات على شرب الخمر وقبض عليه وأخذ أمواله وجملتها أربعمائة ألف ألف مثقال وسبعة وثلاثون ألف ألف مثقال ذهبا أحمر ، زنتها ألف وسبعمائة قنطار بالمصريّ ، وله وجوه برّ كثيرة منها : أنه يتصدّق في كلّ يوم بلكّين ، عنهما من نقد مصر ألف وستمائة ألف درهم ، وربما بلغت صدقته في يوم واحد خمسين لكّا ، ويتصدّق عند كلّ رؤية هلال شهر بلكين دائما ، وعليه راتب لأربعين ألف فقير ، كلّ واحد منهم درهم في كلّ يوم ، وخمسة أرطال برّ وأرز ، وقرّر ألف فقيه في مكاتب لتعليم الأطفال القرآن ، وأجرى عليهم الأرزاق ، وكان لا يدعي بدهلي سائلا بل يجري على الجميع الأرزاق ، ويبالغ في الإحسان إلى الغرباء ، وقدم عليه رسول من أبي سعيد مرّة بالسلام والتودّد ، فخلع عليه وأعطاه حملا من المال ، فلما أراد الانصراف أمره أن يدخل الخزانة ويأخذ ما يختار ، فلم يأخذ غير مصحف ، فسأله عن ذلك فقال : قد أغناني السلطان بفضله ، ولم أجد أشرف من كتاب الله ، فزاد إعجابه به وأعطاه مالا جملته ثمانمائة تومان ، والتومان عشرة آلاف دينار ، وكلّ دينار ستة دراهم ، تكون جملة ذلك ثمانية آلاف ألف دينار ، عنها ثمانية وأربعون ألف ألف درهم.
وقصده شخص من بلاد فارس وقدّم له كتبا في الحكمة منها كتاب الشفاء لابن سينا ، فأعطاه جوهرا بعشرين ألف مثقال من الذهب ، وقصده آخر من بخارى بحملي بطيخ أصفر فتلف غالبه حتى لم يبق منه إلا اثنتان وعشرون بطيخة ، فأعطاه ثلاثة آلاف مثقال ذهبا ، وكان قد التزم أن لا ينطق في إطلاقاته بأقل من ثلاثة آلاف مثقال ذهبا ، وبعث ثلاث لكوك ذهبا إلى بلاد ما وراء النهر ليفرّق على العلماء لكّ ، وعلى الفقراء لكّ ، ويبتاع له حوائج بلك ، وبعث للبرهان الضياء عزه جي شيخ سمرقند بأربعين ألف تنكة ، وكان لا يفارق العلماء سفرا وحضرا ، ومنار الشرع في أيامه قائم ، والجهاد مستمرّ ، فبلغ مبلغا عظيما في إعلاء كلمة الإيمان ، فنشر الإسلام في تلك الأقطار وهدم بيوت النيران وكسر الندود والأصنام واتصل به الإسلام إلى أقصى الشرق ، وعمر الجوامع والمساجد ، وأبطل التثويب في الآذان ولم يخل له يوم من الأيام من بيع آلاف من الرقيق لكثرة السبي ، حتى أن الجارية لا يتعدّى ثمنها بمدينة دهلي ثمان تنكات ، والسرّية خمس عشرة تنكة ، والعبد المراهق أربعة دراهم ، ومع رخص قيمة الرقيق فإنه تبلغ قيمة الجارية الهندية عشرين ألف تنكة ، لحسنها ولطف خلقها ،