وصار بها هو ومن معه من جموع الروم والقبط ، وبها أيضا بنى أحمد بن طولون الحصن ، وبها كانت الصناعة ، يعني صناعة السفن الحربية ، أي كانت بها دار الصناعة ، وبها كان الجنان والمختار ، وبها كان الهودج الذي بناه الخليفة الآمر بأحكام الله لمحبوبته البدوية ، وبها بنى الملك الصالح نجم الدين أيوب القلعة الصالحية ، وبها إلى اليوم مقياس النيل ، وسأورد من أخبار الروضة هنا ما لا تجده مجتمعا في غير هذا الكتاب.
قال ابن عبد الحكم وقد ذكر محاصرة المسلمين للحصن : فلما رأى القوم الجدّ من المسلمين على فتح الحصن والحرص ، ورأوا صبرهم على القتال ورغبتهم فيه ، خافوا أن يظهروا عليهم ، فتنحى المقوقس وجماعة من أكابر القبط وخرجوا من باب الحصن القبليّ ، ودونهم جماعة يقاتلون العرب ، فلحقوا بالجزيرة موضع الصناعة اليوم وأمروا بقطع الجسر ، وذلك في جري النيل ، وتخلف في الحصن بعد المقوقس الأعرج ، فلما خاف فتح باب الحصن خرج هو وأهل القوّة والشرف وكانت سفنهم ملصقة بالحصن ، ثم لحقوا بالمقوقس بالجزيرة.
قال : وكان بالجزيرة يعني بعد فتح مصر في أيام عبد العزيز بن مروان أمير مصر ، خمسمائة فاعل معدّة لحريق يكون في البلد أو هدم.
وقال القضاعيّ جزيرة فسطاط مصر. قال الكنديّ : بنيت بالجزيرة الصناعة في سنة أربع وخمسين ، وحصن الجزيرة بناه أحمد بن طولون في سنة ثلاث وستين ومائتين ليحرز فيه حرمه وماله ، وكان سبب ذلك مسير موسى بن بغا العراقيّ من العراق واليا على مصر ، وجميع أعمال ابن طولون ، وذلك في خلافة المعتمد على الله. فلما بلغ أحمد بن طولون مسيرة ، استعدّ لحربه ومنعه من دخول أعماله ، فلما بلغ موسى بن بغا إلى الرقة تثاقل عن المسير لعظم شأن ابن طولون وقوّته ، ثم عرضت لموسى علة طالت به وكان بها موته ، وثاوره الغلمان وطلبوا منه الأرزاق ، وكان ذلك سبب تركه المسير ، فلم يلبث موسى بن بغا أن مات وكفى ابن طولون أمره ، ولم يزل هذا الحصن على الجزيرة حتى أخذه النيل شيئا بعد شيء ، وقد بقيت منه بقايا متقطعة إلى الآن ، وقد اختصر القاضي القضاعيّ رحمهالله في ذكر سبب بناء ابن طولون حصن الجزيرة.
وقد ذكر جامع سيرة ابن طولون أن صاحب الزنج لما قدم البصرة في سنة أربع وخمسين ومائتين ، واستعجل أمره ، أنفذ إليه أمير المؤمنين المعتمد على الله تعالى ، أبو العباس أحمد ابن أمير المؤمنين ، المتوكل على الله جعفر بن المعتصم بن الرشيد رسولا ، في حمل أخيه الموفق بالله أبي أحمد طلحة من مكة إليه ، وكان الخليفة المهتدي بالله محمد بن الواثق بن المعتصم نفاه إليها ، فلما وصل إليه جعل العهد بالخلافة من بعده لابنه المفوّض ، وبعد المفوّض تكون الخلافة للموفق طلحة ، وجعل غرب الممالك الإسلامية للمفوّض ،