وشرقها للموفق ، وكتب بينهما بذلك كتابا ارتهن فيه أيمانهما بالوفاء بما قد وقعت عليه الشروط ، وكان الموفق يحسد أخاه المعتمد على الخلافة ولا يراه أهلا لها ، فلما جعل المعتمد الخلافة من بعده لابنه ثم للموفق بعده ، شق ذلك عليه وزاد في حقده ، وكان المعتمد متشاغلا بملاذّ نفسه من الصيد واللعب والتفرّد بجواريه ، فضاعت الأمور وفسد تدبير الأحوال وفاز كلّ من كان متقلدا عملا بما تقلده ، وكان في الشروط التي كتبها المعتمد بين المفوّض والموفق ، أنه ما حدث في عمل كلّ واحد منهما من حدث كانت النفقة عليه من مال خراج قسمه ، واستخلف على قسم ابنه المفوّض موسى بن بغا ، فاستكتب موسى بن بغا عبيد الله بن سليمان بن وهب ، وانفرد الموفق بقسمه من ممالك الشرق ، وتقدّم إلى كلّ منهما أن لا ينظر في عمل الآخر ، وخلد كتاب الشروط بالكعبة ، وأفرد الموفق لمحاربة صاحب الزنج وأخرجه إليه وضم معه الجيوش ، فلما كبر أمره وطالت محاربته أياه ، وانقطعت موادّ خراج المشرق عن الموفق ، وتقاعد الناس عن حمل المال الذي كان يحمل في كلّ عام ، واحتجوا بأشياء ، دعت الضرورة الموفق إلى أن كتب إلى أحمد بن طولون ، وهو يومئذ أمير مصر ، في حمل ما يستعين به في حروب صاحب الزنج ، وكانت مصر في قسم المفوّض ، لأنها من الممالك الغربية ، إلّا أن الموفق شكا في كتابه إلى ابن طولون شدّة حاجته إلى المال بسبب ما هو بسبيله ، وأنفذ مع الكتاب تحريرا خادم المتوكل ليقبض منه المال ، فما هو إلّا أن ورد تحرير على ابن طولون بمصر ، وإذا بكتاب المعتمد قد ورد عليه ، يأمره فيه بحمل المال إليه على رسمه مع ما جرى الرسم بحمله مع المال في كلّ سنة ، من الطراز والرقيق والخيل والشمع وغير ذلك ، وكتب أيضا إلى أحمد بن طولون كتابا في السرّ ، أنّ الموفق إنما أنفذ تحريرا إليك عينا ومستقصيا على أخبارك ، وأنه قد كاتب بعض أصحابك فاحترس منه واحمل المال إلينا وعجل إنفاذه ، وكان تحرير لما قدم إلى مصر أنزله أحمد بن طولون معه في داره بالميدان ، ومنعه من الركوب ولم يمكنه من الخروج من الدار التي أنزله بها حتى سار من مصر ، وتلطف في الكتب التي أجاب بها الموفق ، ولم يزل بتحرير حتى أخذ جميع ما كان معه من الكتب التي وردت من العراق إلى مصر ، وبعث معه إلى الموفق ألف ألف دينار ومائتي ألف دينار ، وما جرى الرسم بحمله من مصر ، وأخرج معه العدول وسار بنفسه صحبته حتى بلغ به العريش ، وأرسل إلى ماخور متولي الشام ، فقدم عليه بالعريش ، وسلّمه إليه هو والمال وأشهد عليه بتسليم ذلك ورجع إلى مصر ، ونظر في الكتب التي أخذها من تحرير ، فإذا هي إلى جماعة من قوّاده باستمالتهم إلى الموفق ، فقبض على أربابها وعاقبهم حتى هلكوا في عقوبته ، فلما وصل جواب ابن طولون إلى الموفق ومعه المال ، كتب إليه كتابا ثانيا يستقل فيه المال ويقول : إن الحساب يوجب أضعاف ما حملت ، وبسط لسانه بالقول ، والتمس فيمن معه من يخرج إلى مصر ويتقلدها عوضا عن ابن طولون فلم يجد أحدا عوضه ، لما كان من كيس أحمد بن طولون وملاطفته وجوه الدولة.