القاهرة في الجهة البحرية منها ، ومدينة مصر والقرافة الكبرى وبركة الحبش في الجهة القبلية الغربية ، والنيل الأعظم في غربيها ، وجبل المقطم من ورائها في الجهة الشرقية. وكان موضعها أوّلا يعرف بقبة الهواء ، ثم صار من تحته ميدان أحمد بن طولون ، ثم صار موضعها مقبرة فيها عدّة مساجد ، إلى أن أنشأها السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب ، أوّل الملوك بديار مصر ، على يدّ الطواشي بهاء الدين قراقوش الأسديّ في سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة ، وصارت من بعده دار الملك بديار مصر إلى يومنا هذا ، وهي ثامن موضع صار دار المملكة بديار مصر. وذلك أن دار الملك كانت أوّلا قبل الطوفان مدينة أمسوس ، ثم صار تخت الملك بعبد الطوفان بمدينة منف إلى أن خرّبها بخت نصر ، ثم لما ملك الإسكندر بن فيليبس سار إلى مصر وجدّد بناء الإسكندرية فصارت دار المملكة من حينئذ بعد مدينة منف الإسكندرية ، إلى أن جاء الله تعالى بالإسلام ، وقدم عمرو بن العاص رضياللهعنه بجيوش المسلمين إلى مصر وفتح الحصن واختط مدينة فسطاط مصر ، فصارت دار الإمارة من حينئذ بالفسطاط إلى أن زالت دولة بني أمية ، وقدمت عساكر بني العباس إلى مصر وبنوا في ظاهر الفسطاط العسكر ، فصار الأمراء من حينئذ تارة ينزلون في العسكر وتارة في الفسطاط ، إلى أن بنى أحمد بن طولون القصر والميدان ، وأنشأ القطائع بجانب العسكر ، فصارت القطائع منازل الطولونية إلى أن زالت دولتهم ، فسكن الأمراء بعد زوال دولة بني طولون بالعسكر إلى أن قدم جوهر القائد من بلاذ المغرب بعساكر المعز لدين الله وبنى القاهرة المعزية ، فصارت القاهرة من حينئذ دار الخلافة ومقرّ الإمامة ومنزل الملك ، إلى أن انقضت الدولة الفاطمية على يد السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب ، فلما استبدّ بعدهم بأمر سلطنة مصر بنى قلعة الجبل هذه ومات ، فسكنها من بعده الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب ، واقتدى به من ملك مصر من بعده من أولاده إلى أن انقرضوا على يد مماليكهم البحرية وملكوا مصر من بعدهم ، فاستقرّوا بقلعة الجبل إلى يومنا هذا ، وسأجمع إن شاء الله تعالى من أخبار قلعة الجبل هذه وذكر من ملكها ما فيه كفاية. والله أعلم.
اعلم أن أوّل ما عرف من خبر موضع قلعة الجبل ، أنه كان فيه قبة تعرف بقبة الهواء ، قال أبو عمرو الكنديّ في كتاب أمراء مصر : وابتنى حاتم بن هرثمة القبة التي تعرف بقبة الهواء ، وهو أوّل من ابتناها ، وولي مصر إلى أن صرف عنها في جمادى الآخرة سنة خمس وتسعين ومائة. قال : ثم مات عيسى بن منصور أمير مصر في قبة الهواء بعد عزله ، لاحدى عشرة خلت من شهر ربيع الآخر ، سنة ثلاث وثلاثين ومائتين ، ولما قدم أمير المؤمنين المأمون إلى مصر في سنة سبع عشرة ومائتين ، جلس بقبة الهواء هذه ، وكان بحضرته سعيد بن عفير ، فقال المأمون : لعن الله فرعون حيث يقول : أليس لي ملك مصر ، فلو رأى العراق وخصبها. فقال سعيد بن عفير : يا أمير المؤمنين لا تقل هذا ، فإن الله عزوجل قال :