النهي عن معاملة المرأة معاملة البهائم ، وأخذها على سبيل الميراث ، كما كان عليه أهل الجاهلية .. فلقد كانوا يحسبون زوجة الميت من جملة ما يتركه من ميراث ، فإذا مات جاء وليه ـ على ما يروى ـ وألقى عليها ثوبا ، وحازها بذلك كما يجوز السلب والغنيمة ، فإن شاء تزوجها ، وان شاء زوّجها من غيره ، وقبض المهر ، تماما كما يبيع السلعة ، ويقبض ثمنها ، وان شاء أمسكها في البيت ، وضيّق عليها ، حتى تفتدي نفسها بما يرضيه.
وقيل : ان ظاهر الآية غير مراد ، وان هناك مضافا محذوفا ، تقديره لا يحل لكم أن ترثوا أموال النساء كرها ، ومثال الإرث كرها أن تكون المرأة في ولاية قريب لها ، كالأخ ـ مثلا ـ وهي تملك شيئا من المال ، فيمنعها أخوها من الزواج طمعا في ميراثها ، لأنها ان تزوجت ورثها زوجها وأولادها دونه ، فأمر الإسلام بإعطاء الحرية للمرأة في الزواج ، ونهى عن منعها منه بصيغة النهي عن إرثها كرها ، لأن الإرث هو المقصود والغاية ، والمنع عن الزواج وسيلة له.
ونحن لا نرى حرجا على من يختار التفسير الأول ، أو الثاني ، أو هما معا ، ما دام الإسلام ينهى عن معاملة المرأة معاملة المتروكات ، ويعطي الحرية للمرأة في الزواج واختيار الزوج.
(وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ). كما لا يجوز للزوج أن يملك المرأة كالبهيمة ، أو يمنعها من الزواج ، كذلك لا يحل للزوج أن يسيء الى زوجته بقصد أن تبذل له صداقها ، لتفتدي نفسها منه ، ومن سوء معاملته ، فإذا بذلت ، والحال هذه ، وأخذ منه المال فهو آثم ، إذ لا يحل مال امرئ إلا عن طيب نفس.
أجل ، إذا تبين انها اقترفت فاحشة الزنا جاز له ، والحال هذه ، أن يضيق عليها ويسيء معاملتها ، حتى تعطيه ما يرضيه ، لقوله تعالى : (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ). المراد بالفاحشة الزنا ، ومبينة ، أي ثابتة. وقال جماعة : ان الفاحشة تشمل النشوز أيضا ، ونقل صاحب البحر المحيط المالكي عن مالك ان للزوج أن يعضل زوجته الناشز ، ويأخذ منها جميع ما تملكه. وقال الشيخ محمد عبده : الفاحشة تشمل الزنا والنشوز والسرقة وغيرها من المحرمات.