لم يكن على بينة من دينه ، أو زاغ عن طريق الهداية بعد أن استبان له فقد جعل لله الحجة البالغة من نفسه على نفسه .. اللهم انّا نعترف بأنك لا تعاقب إلا بعد قيام الحجة ، وأيضا نقر ونعترف بقيام الحجة علينا ، بل نهتز ونرتجف خوفا من بطشك ، ونعوذ منه بعفوك وكرمك .. اذن لا داعي لأن توقفنا بين يديك للمحاكمة والحساب ، والتحقيق والتدقيق.
(إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً). لأن العقوبة على قدر الجريمة ، ولا جريمة أعظم من النفاق الذي جمع بين الكفر والكذب ، وكلاهما من أمهات الرذائل.
(إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ). بعد ان هدد وتوعد سبحانه المنافقين بأشد العقوبات أرشدهم الى التوبة ، طريق الخلاص والنجاة ، فهي وحدها النصير والشفيع اليه تعالى .. وهي في يدهم وطوع ارادتهم ، فمن قصر وتوانى فلومه على نفسه .. وهذه حجة أخرى على كل مذنب يضيفها جل وعز الى حججه البالغة التي لا يبلغها عد ولا حصر ..
وعقدنا فصلا خاصا للتوبة والتائبين بعنوان التوبة والفطرة عند تفسير الآية ١٨ من هذه السورة. وقد أطال المفسرون الكلام في بيان الفرق بين معطوفات هذه الآية ، وهي أصلحوا واعتصموا وأخلصوا .. والذي نراه ان لفظ التوبة يتضمن هذه الأوصاف بكاملها ، ولا نجد فرقا جوهريا بينها ، وانما نص عليها واكدها للاشارة الى ما كان عليه المنافقون من التردد والتمرد ، وان الله سبحانه لا يقبل توبتهم ، ولا يجعلهم في عداد المؤمنين إلا إذا ثبتوا واستمروا على التوبة ، وانهم إذا ارتدوا بعد التوبة ، وفعلوا كما يفعلون فإنهم يضيفون الارتداد الى كفرهم وافترائهم وذبذبتهم ، ولا جزاء للارتداد الا القتل في الدنيا ، والعذاب الأليم في الآخرة.
(ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ). أبدا .. انه غني عن كل شيء في ذاته وصفاته ،