أحب ظالما لظلمه فهو شريكه ، ومن أحب كافرا لكفره فهو مثله ، هذا حكم القاعدين غير الأصحاء.
أما الأصحاء منهم فينظر : فإن قعدوا عن الجهاد الذي وجب عليهم وعلى غيرهم ، كما في النفير العام فإنهم غير معذورين ، بل ملومين مستحقين للعقاب ، لأنهم تمردوا وعصوا ، وعليه فلا تصح المفاضلة بينهم وبين المجاهدين بحال ، لأن المفاضلة مفاعلة ، وهي تقتضي المشاركة ، وهؤلاء لا يشاركون المجاهدين في شيء .. وان كان الجهاد فرض كفاية يحصل الغرض منه بفعل البعض ، ولا حاجة الى الكل يكون القاعدون عنه معذورين ، مع قيام غيرهم بهذا الواجب ، ولكن المجاهدين أفضل من القاعدين ، على الرغم من وجود عذرهم المشروع ، لأنهم آثروا الكسل على العمل ، والاعتزال على النضال ، وهؤلاء القاعدون هم المقصودون بقوله تعالى : (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ). وعلى هذا يكون المعنى لا يستوي عند الله القاعدون الأصحاء والمجاهدون الذين لم يجب عليهم الجهاد بالخصوص ، بل وجب عليهم وعلى غيرهم كفاية ، ولكن هم الذين تصدوا لهذا الواجب ، وأدوه على أكمله ، وأسقطوه عن الباقين. وهذا المعنى هو الذي أراده الله ، وأوضحه بقوله :
(فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً). بعد أن نفى التسوية بينهم وبين القاعدين بيّن ما امتاز به المجاهدون ، وهو تفضيلهم على القاعدين بدرجة ، فيكون قوله هذا تفصيلا بعد إجمال ، وسر التفضيل ما أشرنا اليه من تحملهم مسؤولية الدفاع منفردين ، تماما كما لو هاجم العدو بلدا ، فصده عنه فريق دون فريق من أهله ، فيمتاز الفريق الأول على الثاني بالبداهة ، وان كان الثاني غير مؤاخذ بعد أن قام الأول بالواجب ، وحقق الغرض المطلوب ، ولذا قال تعالى : (وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى). ولكنه أعاد مؤكدا ومرغبا في الجهاد بقوله :
(وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً) وبيّن هذا الأجر العظيم بأنه (دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً). ودرجة واحدة عند الله خير من الكون بما فيه ، فكيف الدرجات!! أما رحمته فلا شيء خير منها الا من هي منه ..