كذلك فلا بأس عليه ، ولا عليها أن يتفقا فيما بينهما مباشرة ، أو بواسطة أحد الطيبين ، أن يتفقا ويصطلحا على أن تتنازل له عن بعض حقوقها المادية أو الأدبية ، لتبقى في عصمته ، وتحيا معه حياة هادئة.
(وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) من الشقاق والطلاق ، فقد جاء في الحديث : «أبغض الحلال الى الله الطلاق» وتجدر الاشارة الى ان ما تبذله المرأة لزوجها من أجل الألفة أو الطلاق لا يحل إلا إذا كان عن طيب نفس ، قال تعالى : (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) ـ ٤ النساء».
(وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ). أي ان الشح حاضر دائما في الأنفس ، لا يغيب عنها ، حتى ساعة البذل ، فان اللوعة التي يحس بها الباذل ، ويخفيها عند ما يبذل هي الشح بالذات ، والقصد من قوله : (وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ) ان المرأة لا تتنازل عن حقها للرجل بسهولة ، ولا الرجل يتسامح معها من غير عوض ، ويجب أن لا يغيب عنا ان الآية الكريمة تتحدث عن حياة الزوجين مع عدم الوئام والوفاق ، أما مع صلاح الحال ، والتئام الأخلاق فلا موجب للبذل والتصالح ، بل لا يرى أحد الزوجين انه يملك شيئا دون صاحبه ، ما داما كذلك.
(وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً). هذه دعوة من الله سبحانه الى كل من الزوجين أن يحسن العشرة مع صاحبه ، ويتقي أسباب الخلاف والشقاق.
(وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ) العدل بين النساء على نوعين : مقدور كالمساواة في الإنفاق ، وطيب الحديث. وغير مقدور كالمحبة وميل القلب ، بل والجماع أيضا .. فقد ينشط الرجل للواحدة ما لا ينشط للأخرى .. والعدل بين النساء المطلوب هو العدل في الإنفاق ، لأنه مستطاع ، أما العدل في الحب وما اليه مما لا يملكه الإنسان فلا يكلف به ، وبهذا يفرق بين هذه الآية ، وبين قوله تعالى في أول السورة : (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا) بين النساء». قال الإمام جعفر الصادق (ع) : أما قوله : فان خفتم أن لا تعدلوا فانه عنى به النفقة ، وأما قوله : ولن تستطيعوا أن تعدلوا فانه عنى به المودة.
ونحن من الذين يؤمنون ايمانا قاطعا بأنه لا شيء أصعب منالا من العدالة ،