وما أطلعتهم عليه : يصلح أن يكون منصوبَ المحلِّ ومجروره على مقتضى اللغتين. وقد رُوي بيت كعب بن مالك الأنصاري :
تَذَرُ الجَماجِمَ ضَاحِياً هاماتُها |
|
بَلْهَ الأَكُفِّ كأنها لم تُخْلَقِ (١) |
على الوجهين. المعنى : رأَته وسمعته ، فحُذِف لاستطالة الموصول بالصلة ، ونظيره قوله تعالى : (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً) [الفرقان : ٤١].
[البل] (*) : بُلُّوا أَرْحَامكم ولو بالسَّلَام.
لما رأَوا بعض الأشياء يتَّصل ويختلط بالنَّداوَة ، ويحصل بينهما التّجافي والتفرّق باليُبْس استعاروا البَلَ لمعنى الوَصْل ، واليُبْس لمعنى القَطيعة ، فقالوا في المثل : لا تُؤْبِس الثرى بيني وبينك. قال :
فلا تُؤْبِسوا بَيْنِي وبَيْنَكم الثَّرَى |
|
فإنّ الذِي بيني وبينكم مُثْرِي (٢) |
وفي حديث عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى ـ إذا اسْتَشَنَ (٣) ما بينك وبَيْنَ الله فابْلُلْه بالإحْسَان إلى عِبَادِه.
[البله] : إن أهل الجنة أَكْثَرُهم البُلْه.
هم الذين خلوا عن الدّهاء والنّكر والخُبْث ؛ وغَلبت عليهم سلامةُ الصُّدور وهم عُقلاء.
وعن الزِّبرقان بن بدر : خيرُ أولادنا الأَبْله العقول.
قال النَّمِر بن تَوْلب :
ولَقَدْ لَهَوْتُ بِطَفْلةٍ ميَّالةٍ |
|
بَلْهاءَ تُطْلِعُني عَلَى أَسْرَارِها (٤) |
وفي المقامات التي أَنْشَأتُها في عِظَة النَّفْس في صِفَةِ الصالحين : «هَيْنون لَيْنون ، غير أن لا هَوادة في الحقّ ولا إدْهَان ، أبْلهٌ خلا أن غَوْصَهُم على الحقائق يغمرُ الألباب والأَذْهان.
__________________
(١) البيت من الكامل ، وهو لكعب بن مالك في ديوانه ص ٢٤٥ ، وخزانة الأدب ٦ / ٢١١ ، ٢١٤ ، ٢١٧ ، والدرر اللوامع ٣ / ١٨٧ ، وشرح شواهد المغني ص ٣٥٣ ، ولسان العرب ٣ / ٤٧٨ (بله) ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٢ / ٢١٧ ، وتذكرة النحاة ص ٥٠٠ ، والجنى الداني ص ٤٢٥ ، وخزانة الأدب ٦ / ٢٣٢ ، وشرح الأشموني ١ / ٢١٥ ، وشرح التصريح ٢ / ١٩٩ ، وشرح شذور الذهب ص ٥١٣ ، وشرح المفصل ٤ / ٤٨ ، ومغني اللبيب ص ١١٥ ، وهمع الهوامع ١ / ٢٣٦.
(*) [البل] : ومنه حديث طهفة : ما نبضّ بِبِلال. وفي حديث المغيرة : بَلِيلَة الإرعاد. النهاية ١ / ١٥٣ ، ١٥٤.
(٢) البيت لجرير في لسان العرب (ثرى).
(٣) استشن : أخلق.
(٤) البيت لابن شميل في لسان العرب (بله).