النَّصُوح ، فقال : هو النَّدم على الذنب حين يَفْرُطُ مِنْكَ ، وتستغفر الله بندامتك عند الحَافر ، ثم لا تعودُ إليه أبداً.
كانوا لكرامة الفَرَسِ عندهم ونَفَاستهم بها لا يبيعونها بالنَّسَاء (١) فقالوا : النَّقْدُ عند الحافِر ، وسيّروه مثلاً ، أي عند بيع الحافر في أول وَهْلَة العقد من غير تأخير ، والمراد بالحافر ذات الحافر وهي الفرس. ومن قال : عند الحافرة فله وجهان : أحدهما ـ أنه لما جعل الحافر في معنى الدابة نفسها ، وكثُر استعماله على ذلك من غير ذكْر الذات فقيل : اقتنى فلان الخفَّ والحافر ؛ أي ذواتهما ، ألحقت به علامة التأنيث إشعاراً بتسمية الذات بها. والثاني ـ أن يكونَ فاعلة من الحَفْر ؛ لأنَّ الفرسَ بشدَّةِ دَوْسِها تَحْفِر الأرض ، كما سُمِّيت فرساً لأنها تَفْرِسها : أي تدقّها ؛ هذا أصل الكلمة ، ثم كَثُرت حتى استُعْمِلت في كل أوَّلية ؛ فقيل : رجع إلى حافره وحافِرته ، وفعل كذا عند الحافِر والحافِرة. والمعنى تَنْجيز النّدامة والاستغفار عند مواقعة الذنب من غير تأخير ؛ لأن التأخير من الإصرار.
الباء في «بنَدَامتك» بمعنى مع ، أو بمعنى الاستعانة ؛ أي بطلب مغفرة الله بأن تندم.
الواو في وتستغفر للحال ، أي هو الندم منك مُسْتَغْفِراً ، ويحتمل أن يعطف على الندم على أن أصله وأن تستغفر فحذف. كقوله :
*ألَا أيّهذا اللائمي أَحْضُرَ الوَغَى (٢) *
النّصوح : هي التي يناصحُ فيها الإِنسانُ نفسَه مبالغاً ، فجعل الفعلَ لها كأنها هي التي تبالغ في النصيحة.
[حفا] (*) : سئل : متى تحِلّ المَيْتَةُ؟ فقال : ما لم تَصْطَبِحُوا أو تَغْتَبِقُوا أو تحْتَفِئُوا بها بَقْلاً فشأْنَكُمْ بها.
__________________
(١) النساء : التأخير.
(٢) عجزه :
وأن أشهد اللذات هل انت مخلدي
والبيت من الطويل ، وهو لطرفة بن العبد في ديوانه ص ٣٢ ، والإنصاف ٢ / ٥٦٠ ، وخزانة الأدب ١ / ١١٩ ، ٨ / ٥٧٩ ، والدرر ١ / ٧٤ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٢٨٥ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٨٠٠ ، والكتاب ٣ / ٩٩ ، ١٠٠ ، ولسان العرب ١٣ / ٣٢ (أنن) ، ١٤ / ٢٧٢ (دنا) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٠٢ ، والمقتضب ٢ / ٨٥ ، وبلا نسبة في خزانة الأدب ١ / ٤٦٣ ، ٨ / ٥٠٧ ، ٥٨٠ ، ٥٨٥ ، والدرر ٣ / ٣٣ ، ٩ / ٩٤ ، ورصف المباني ص ١١٣ ، وشرح شذور الذهب ص ١٩٨ ، وشرح ابن عقيل ص ٥٩٧ ، وشرح المفصل ٢ / ٧ ، ٤ / ٢٨ ، ٧ / ٥٢ ، ومجالس ثعلب ص ٣٨٣ ، ومغني اللبيب ٢ / ٣٨٣ ، ٦٤١ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٧.
(*) [حفا] : ومنه حديث أنس : أنهم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم حتى أحفوه. وحديث السواك : لزمت السواك حتى كدت أُحفي فمي. وفي حديث الانتعال : ليحفها جميعاً أو لينعلها جميعاً. النهاية ١ / ٤١٠.