فنافِحوا عن دِينكم ؛ ألا وإنكم بابٌ بين المسلمين والمشركين إن كُسر ذلك البابُ دُخل عليهم منه. ألَا وإني هَازٌّ لكم الرَّايةَ ، فإذا هَزَزْتها فلْيَثب الرِّجال إلى أَكِمَّةِ خُيولها فيُقَرِّطُوها أَعِنَّتها ؛ ألا وإني هازٌّ لكم الراية الثانية فلْتَثب الرجالُ فتشد هَمَايِينَها على أحقائها ، ثم ذُكِر أن النعمان طعن برايته رجلاً ثم رفع رايته مختضبَة دَماً ، كأنها جناح عُقَاب كاسر ؛ وجُمِعت الرِّثَاث كأنها الإِكام ـ بعد قَتْل النعمان ـ إلى السائب.
يقال : أخْطَر لي فُلانُ وأخطرت له ، إذا تَرَاهَنا. والخَطَر : ما وضَعَاه على يدي عَدْل ، فمن فاز أخذه ، وهو من الخَطر بمعنى الغَرَر ؛ لأن ذلك المال على شَفَا أن يُفَازَ به ويُؤْخذ.
الرِّثّة واحدة الرِّثَاث : الأَمتعة الرَّدِية ، أراد الغنائم ؛ فصغّر شأنها كما قالت أخت عمرو بن معديكرب :
ولا تأخذوا منهم إفَالاً وأَبْكراً |
|
[وأُتْرك في بيت بصَعْدَة مُظْلِم] |
أراد أنهم لم يُعَرِّضوا للاستهلاك إلا متاعاً يَهُونُ قَدْرُه ؛ وأنتم عَرّضْتُم له ما هو أفخم الأشياء شأناً وأعظمها قَدْراً ، وهو دِينُ الإِسلام ؛ فضرب لذلك فِعْلَ المتخاطرَين مثلاً.
المُنَافحة : المدافعة ، من نفحه بالسّيف ، وقَوْس نَفُوح : بعيدة الدَّفع للسهم ، ونَفْح الرائحة : انتشارُها واندفاعها.
الأَكِمَّة : جمع كِمام وهو المِخلاة التي تعلّق بأعلى رأس الدابة ، وكِمام البعير : هو ما تكمُّ به فُوه لئلا يعضّ.
التقريط : أن يجعلوا الأعِنّة وراء آذانِها عند طرح اللّجم في رءوسها ، أُخِذ من تقريط المرأة.
والمعنى : الأمرُ بنزع المخالي وإِلجام الخيل.
الثانية : صفة للمصدر المحذوف ، تقديره الهزَّة الثانية.
الهِمْيَان : الذي يُجعل فيه الدَّرَاهم ويشدّ على الْحِقْو ، فِعْلَان من هَمى ، لأنه إذا أُفرِغ همى بما فيه ، وسميت به المِنطقة ؛ لأنها تُشَدّ مشدَّه ، والمراد هاهنا المَناطِق.
الكاسر : التي تَكْسِرُ جَنَاحَيْها إذا انحطَّت.
[خطم] : عائشة رضي الله عنها ـ وصَّى أبو بكر رضي الله عنه أن يُكَفَّنَ في ثوبين كانَا علَيْهِ ، وأن يُجعلَ معهما ثوبٌ آخر ؛ فأرادت عائشة أن تبتاعَ له أثواباً جُدُداً ، فقال عُمَر : لا يكفَّن إلا فيما أَوْصَى به. فقالت عائشة : يا عمر ؛ واللهِ ما وُضعت الخُطُم على آنُفِنا. فبكى عُمَر وقال : كفِّني أباك فيما شئت.
كُنِي عن الولاية والملك بوَضْع الخُطم ؛ لأن البعير إذا مُلِكَ وُضع عليه الخطام.
والمعنى : ما ملَكْتَ علينا أمورَنا فتنهانا أن نصنع ما نريدُ فيها.