اللام في «يا لَقُصَيّ» للتّعجب ، كالتي في قولهم : يَا للدَّواهي ويَا للْماء! والمعنى : تعالَوْا يا قصيّ لنعجبَ منكم فيما أَغْفلتموه من حظّكم ، وأَضَعْتُمُوه من عِزّكم بعِصْيَانكم رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وإلجائكم إياه إلى الخروج من بين أظهركم.
وقوله : «ما زَوى الله عنكم» ، تعجّب أيضاً معناه أيّ شيء زَوَى الله عنكم! الضَّرِّة : أصل الضّرْع الذي لا يخلو من اللَّبن. وقيل : هي الضَّرْع كلُّه ما خَلا الأَطْبَاء (١).
[برىء] : أبو بكر الصديق رضي الله عنه ـ دخل عليه عبدُ الرحمن بن عوف في علَّته التي مات فيها فقال : أراك بارئاً يا خليفةَ رسول الله ، فقال : أمَا إنّي على ذلك لشديد الوَجَع ، ولَما لقيتُ منكم يا معْشَرَ المهاجرين أشدُّ عليَّ من وَجعي ؛ وَلَّيْتُ [أموركم] خَيْرَكم في نفسي ، فكلُّكم وَرِم أنفُه (٢) أن يكونَ له الأمرُ من دونه ، والله لتَتَّخِذُنّ نَضَائدَ الدِّيباج وستُور الحرير ، ولتألمُنَّ النومَ على الصُّوف الأَذْرَبي ، كما يألم أحدُكم النومَ على حَسَك السَّعْدَان ؛ والّذِي نفسي بيده لأن يقدَّم أحدُكم فتُضرَب عنقُه في غير حدٍّ خيرٌ له من أن يخوضَ غمرات الدنيا. يا هادي الطريق جُرت ؛ إنما هو الفَجْرُ أو البَجْر ـ وروي : البَحْر.
قال له عبد الرحمن : خفِّض عليك يا خليفةَ رسولِ الله! فإنَّ هذا يَهيضُك إلى ما بِكَ. ورُوي أنَّ فلاناً دخل عليه فنال من عمر ، وقال : لو استخلفتَ فلاناً؟ فقال أبو بكر رضي الله عنه : لو فعلتُ ذلك لجعلتَ أَنْفَكَ في قَفَاك ، ولَمَا أَخَذْتَ من أهلك حقًّا.
ودخل عليه بعضُ المهاجرين وهو يشتكِي في مرضه ، فقال له : أتستخلف علينا عمر ، وقد عَتَا (٣) عَلَيْنا ولا سُلْطَانَ له ، ولو مَلكَنا كان أعْتَى وأعْتَى! فكيف تقول لله إذا لقيتَه! فقال أبو بكر : أَجْلِسُوني ، فأجْلَسوه ، فقال : أبالله تُفَرِّقُني فإني أقولُ له إذا لقيتُه : استعملتُ عليهم خيرَ أَهلك.
برئ من المرض ، وبرَأ ، فهو بارئ ، ومعناه مُزَايلة المرض والتَّباعد منه ، ومنه : برئ من كذا براءةً.
وَرَمُ الأَنف ، كناية عن إفراط الغيظ ؛ لأنه يرْدَفُ الاغتياظ الشديد أن يَرِمَ أنفُ المغتاظ وينتفخ مِنْخَراه ، قال :
*ولا يُهَاجُ إذَا ما أَنْفُه وَرِما (٤) *
__________________
ـ ٧ / ٤٢٨ (وسط) ، ١١ / ٤٤٦ (عسل) ، والمقاصد النحوية ٢ / ٥٤٤ ، ونوادر أبي زيد ص ١٥ ، وبلا نسبة في أسرار العربية ص ١٨٠ ، وأوضح المسالك ٢ / ١٧٩ ، وجمهرة اللغة ص ٨٤٢ ، والخصائص ٣ / ٣١٩ ، وشرح الأشموني ١ / ١٩٧ ، ومغني اللبيب ص ١١ ، وهمع الهوامع ١ / ٢٠٠.
(١) الطبى ، بكسر الطاء وضمها : حلمات الضرع التي من خف وظلف وحافر وسبع وجمعها أطباء.
(٢) ورم أنفه : اغتاظ من ذلك ، قال في لسان العرب (ورم) : وهو من أحسن الكنايات لأن المغتاظ يرم أنفه ويحمر.
(٣) العتو : التجبر والتكبر.
(٤) الشطر بلا نسبة في لسان العرب (ورم).