فكلّ العلوم لها مدخل في السلوك إلى الله تعالى ، ولها منازل في القرب والبعد عن المقصود ، والقوّام بها حفظتها كحفظة الثغور ، ولكلّ رتبة ، وبحسب رتبته أجر إن قصد به وجه الله تعالى.
وسادسها : أن لا يأخذ فرقة من فنون العلم دفعة ، بل يراعي الأهمّ ، لأنّ مقتضى الحزم مع كثرتها وقصر العمر الأخذ من أحسن كلّ شيء ، وخلاصته ، وصرف جمام قوّته في الميسور من علمه إلى استكمال الأشرف ، أعني علم الآخرة وهو بحر لاينزف.
وسابعها : أن يعرف وجه شرافة بعض العلوم على بعض ، وأنه إمّا شرافة ثمرته أو وثاقة دليله ، كعلم الدين والطبّ ، فإنّ ثمرة أحدهما الحياة الفانية ، والآخر الحياة الباقية ، وهو أشرف ، ولو تعارضا فالأولى أولى.
وثامنها : صدق النيّة في التعلّم ، بأن يقصد في الحال تحلية باطنه بفضيلة العلم ، وفي الآجل السعادة الأبديّة دون الرئاسة من الثناء على علم الآخرة خسّة سائر العلوم وحقارتها ، فإنّ المتكفّلين لها كالمرابطين للثغور والغزاة مجاهدون في سبيل الله ، فمنهم المقاتل ومنهم السقاء وحافظ الدوابّ ، ولكلّ أجر إذا كان قصيده إعلاء كلمة الله دون حيازة الغنائم ، فكذلك العلماء. قال الله تعالى : ( يرفع الله الذين آمنوا منكم والّذين أوتوا العلم درجات ). (١)
فاستحقار الصيارفة بالنظر إلى الملوك لايدل على حقارتهم بالنسبة إلى الكناسين ، فالدرجة العليا للأنبياء ، ثم الأولياء ، ثم العلماء على اختلاف طبقاتهم ( فمن يعمل مثقال ذرّة خيراً يره ) ، (٢) ومن قصد الله بأيّ علم رفعه لامحالة.
__________________
١ ـ المجادلة : ١١.
٢ ـ الزلزلة : ٧.