وتاسعها : أن يعلم نسبة كلّ علم إلى المقصد كي لايؤثر غير المهم على المهم. وكما أنّ سالك طريق الحج له ثلاثة أصناف من الأشغال : تهيئة الأسباب من الزاد والراحلة وغيرها ، ثم مفارقة الأهل والوطن وقطع المراحل إلى الكعبة ، ثم الاشتغال بأعمال الحج ركناً بعد ركن إلى أن يفرغ من طواف الوداع (١) ، وله في كلّ من المقامات الثلاثة منازل من الشروع إلى الاختتام ، وليس قرب الأول إلى المقصد كالثالث ولا المبتدي في مقام كمنتهيه ، فكذا من العلوم مايجزي مجرى إعداد الزاد والراحلة كالفقه والطبّ وغيرهما ، وما يجري مجرى سلوك البراري وطيّ العقبات وهو علم الأخلاق ، أي تطهير البواطن عن ذمائم الصفات. وكما لايجدى في الوصول إلى الحج العلم بالطريق والمراحل دون طيّ المسافات ، فكذا لا يكفي العلم بها هنا بدون مباشرة الرياضات وتصقيل النفس عن خبث الشهوات وإن توقّفت عليه ، وما يجري مجرى نفس الحج وأركانه أعني معرفة الله تعالى وصفاته وأفعاله وما وعد وأوعد به عباده في الآخرة ، فالسعادة لاينالها الا العارفون المقرّبون ولهم نعمة الروح والريحان وجنّة النعيم والسلامة من الهلاك تعمّهم وسائر السالكين الغير الواصلين ، كما قال الله تعالى : ( وأمّا إن كان من أصحاب اليمين * فسلام لك عن أصحاب اليمين ). (٢)
ومن لم ينتهض للمقصد أو لم يتوجّه إليه أو توجّه لا على قصد الامتثال ، فهو من أصحاب الشمال وله نزل من حميم وتصلية جحيم (٣)
وعاشرها : تحاب المتعلمين عند واحد وإعانة بعضهم لبعض في الحوائج والمقاصد ، وهو إنّما يتمّ مع قصد الآخرة بالتعلّم ، حيث إنّهم
__________________
١ ـ هذا تعبير أبي حامد العامي ، فليت المصنّف بدّله بطواف النساء.
٢ ـ الواقعة : ٩٠ ـ ٩١.
٣ ـ اقتباس من الواقعة : ٩٣ ـ ٩٤.